19 سبتمبر 2025

تسجيل

متعة المطالعة

05 يونيو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لعل الكثيرين يجدون متعة وتسلية ومجالا للترفيه في أوقات الخمول والتعب في دراسة تاريخ الأدب، وتذوق الجميل من النظم الشعري، خاصة عن أحوال المحبين، وسلوك العاشقين، وأشعارهم في الغزل والحب، لأمثال عنترة وعبلة، ومجنون ليلى، وجميل بثينة، وكثير عزة، وغيرهم، ولعل أشهر ما قاله قيس المجنون تعبيرا عن حبه لليلى ما يمثل حالة من الهيام العارم: "أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدارا وذا الجدارا" "وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا"ولكني أقف مع متعة من نوع آخر، ودراسة في تخصص ماتع، وسلوى أخاذة في متابعة سيرة، يحيطها سمو العواطف، وجلال المشاهد، وصدق المشاعر، ورفعة السلوك، فلا أجد أرفع ولا أجل من حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له، في ملحمة من الحب والوفاء لم تعرف البشرية نظيرا لها. حتى أن حبه صلى الله عليه وسلم يطغى على حب الأهل والولد والنفس، وحيث الشوق إليه صلى الله عليه إذا فارقه صاحبه فلا يطفئ لوعة الشوق إلا العودة إليه مجددا للتمتع برؤية محياه الباسم.تحكي السيدة عائشة - رضي الله عنها – أنه: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، والله إنك لأحب إليّ من نفسي، وإنك لأحب إليّ من أهلي، وأحب إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} النساء: 69. المعجم الأوسط للطبراني.وقد كان الصحابة لشدة حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم يحاكون حياته، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ويتمثلون أفعاله اقتداء وتأسيا باستثناء خصوصياته صلى الله عليه وسلم، مثل إباحة الزواج بأكثر من أربع، والوصال في الصوم، ووجوب الضحى والوتر والتهجد، وأن ما تركه من ماله صدقة لا ميراث. حتى إن بعضهم كان يتتبع آثاره أثرا أثرا، كل مكان صلى فيه، أو استراح أو جلس عنده، فقد نزل صلى الله عليه وسلم تحت شجرة؛ فكان ابن عمر يتعاهدها فيصب في أصلها الماء لئلا تيبس، وكان يعترض براحلته كل طريق مر بها رسول الله يتحرى أن تقع أخفافها على مواقع أخفاف ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. يحكي نافع، عن ابن عمر، أنه كان في طريق مكة يأخذ برأس راحلته يثنيها ويقول: «لعل خفا يقع على خف» يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني.ولشدة حبه وتمسكه بآثار النبي صلى الله عليه وسلم روى أبو نعيم بسنده أن ابن عمر كان إذا رآه أحد ظن أن به شيئا من تتبعه آثار النبي صلى الله عليه وسلم.بل أكثر من ذلك، لقد صرح نافع مولاه فقال: "لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا اتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: "هذا مجنون".ولم يكن هذا شأن ابن عمر وحده، بل كان شأن كثير من الصحابة وإن تفاوتت درجة التعبير عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتأسيهم به، فقد روى الترمذي بسنده عن أبي طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك، وهو يأكل القرع، وهو يقول: يا لك من شجرة، ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.ولما أسر زيد بن الدثنة، وقدمه مشركو مكة للقتل، قال له أبو سفيان أمام رهط من قريش: نشدتك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا الآن بمكانك يضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، ثم قتله نسطاس".في مطالعة هذه السيرة العطرة أجد راحتي ومتعتي، وفي دراسة هذه المشاهد، أجدد نشاطي وهمتي، وفي معايشة هذه المواقف أطرد السآمة عن نفسي وقلبي، وفي تأملها تتجدد وتتجذر معاني المحبة لصاحب الرسالة الأكرم صلى الله عليه وسلم.