14 سبتمبر 2025
تسجيلالربيع العربي يجب أن يتزامن مع ثورة اهتمام كبرى بالعقولأعجبني الدكتور فهد العرابي الحارثي وهو يطرح الآن دراسته حول ضرورة تفعيل جهود البحث العلمي في الوطن العربي. ومصدر الإعجاب, المناداة بثورة بحث علمي عربي إلى جانب الثورات الشعبية ضد الأنظمة إن لم تكن الثورات العلمية هي الأهم والأجدر فهي التي " تطعم عيشا " وتخلق ربيعاً دائماً للأمم وتضيف التزايد الملموس في دخول الشعوب ونواتجها القومية ,عوضاً عن ضياع الوقت في الجدل السياسي " ومن يحكم من. ومن يسرق من؟ " وهكذا حيث تنشغل الشعوب بهموم الديموقراطية المزيفة وتخلو الجامعات من المفكرين وعقول البحث وأدواته لتتحول إلى فصول دراسية فقط شبيهة بغرف العزل النائية خلف واجهات المشافي. أعود إلى ملهم الإعجاب بأطروحة الدكتور الحارثي وهو رئيس مركز متخصص في إجراء البحوث والدراسات بعد خبرات طويلة في مجال الصحافة والأكاديمية والاستشراف , فتوقيت الطرح لأهمية البحث العلمي في الوطن العربي ضرورة يجب الصدح بها علناً ودائماً أمام الساسة وأصحاب القرار خصوصا الآن في هذه المرحلة التي تتحرر فيها الشعوب من بعض تبعياتها وتكرر امتعاضها من الكثير من المتلازمات والمشاهد حولها , كذلك يجب السعي لتحرير البحث العلمي من عباءة الوصاية والقيد الرسمي , فغالب المؤسسات البحثية والعلمية في الدول العربية مرتبطة بالحكومات مما يحيلها إلى ركن من أركان البيروقراطية ويثبط من نتائجها وتحقيق أهدافها ويضعف حجم الإنفاق عليها فتضعف وتهاجر عقولها. فالتوقيت مهم الآن أولاً لإبداء الاهتمام بالبحث في الوطن العربي والذي لا يتجاوز الإنفاق عليه حسب الدراسة 535 مليون دولار ليس غير , أي ما يساوي 11 في الألف من الدخل القومي للبقية من دول العالم. كما إن معظم الدول العربية لا تعلن هذا الجانب أو لا تهتم به , فربما هي مشغولة أساساً بإطعام الناس وإسكانهم وتوظيفهم وتهتم أيضاً بالشعارات والحفلات والصرف الباذخ عليها بل وتصر غالباً على الاحتفاظ بحقيبة البحث العلمي والوصاية عليها ربما بدوافع أمنية أو لمبررات غير مفهومة خشية أن تتفتق العقول العربية فتأتي بما لم يأت به الأوائل كانوا يخترعون حاكماً مثالياً يتوافق مع كل الأطياف والملل السياسية وتنتهي صلاحيته وفق ما تريده الشعوب أو يصمم الباحثون مؤسسة إلكترونية للحكم أو بندقية تقتنص فقط وبحسية ذكية منها من يخون وطنه وأمته. لذلك ظل الإنفاق في وطننا العربي ضعيفاً وشكلياً نستخدمه للمبارزات الإعلامية والمشاركات المهمشية في التجمعات العلمية العالمية التي تجاوزتنا كثيرا بحجم عطائها للإنسانية من إضافات متنوعة استطاعت أن تسعد شعوبها وأن تواصل المسيرة ضمن المد التقني العالمي المتسارع , بينما نحن هنا مستهلكون ننتظر جديد التقنية من الغير ونهتم بشكل بناء الجامعات وأعداد الطلبة فيها والخريجين منها سنوياً , بينما لا نهتم أو نسأل عن أي إضافة للتقنية من هذه الصروح العملاقة. أعود مرة أخرى إلى توقيت طرح فكرة الاهتمام بمجال البحث العلمي لنطالب القيادات والشعوب العربية وتحديدا أصحاب الفكر والرأي منهم ليفرضوا مساراً عملياً ضمن دساتير وأنظمة بلدانهم تهتم بالبحث العلمي وتعمل على تطويره وتحديث آلياته وإسناده إلى أهله وإجبار المؤسسات والشركات في أوطانهم على دعمه والمساهمة فيه بشكل فاعل خاصة وأن معظم دولنا العربية تعيش الآن مرحلة تنمية واسعة وكبيرة تخصص لها بلايين الدولارات وتجلب لأجل تنفيذها العديد من الشركات , فلا بأس أن يخصص في العقود المتينة منها نسبة للإسهام في البحوث ودعم القائمين عليها بل ويجب أن يكون لنا برامج عمل واضحة تفضي إلى نتائج ملموسة في هذا المجال من خلال الاهتمام الفعلي بالموهوبين وتبني تأهيلهم في مدارس خاصة وجامعات مؤهلة للمهمة لا كما نلاحظ الآن الاهتمام الشكلي فقط بهذا الجانب دون أن يحقق أي إضافات نوعية مكتسبة للموهوبين ولمجتمعاتهم بل تهدر أفكارهم وتستغل غالباً دون حفظ للحقوق. فالعالم الآن يبني تطوره وزيادة مكتسباته على الفكرة الجديدة وكيفية تحويلها إلى قيمة إضافية. مرة أخرى وفي زخم ثوراتنا العربية والربيع العربي القادم يجب أن يتزامن مع ذلك ثورة اهتمام كبرى بالعقول الرائدة والإنفاق عليها أملاً في ربيع عربي حاضن للإبداع والتقنية. فنحن تاريخياً ضمن أوائل المجتمعات القادرة فعلياً على الخوض في هذا المضمار وتحقيق نتائج ملموسة من خلاله تعيدنا إلى عصر الابتكار والإنتاج[email protected]