18 سبتمبر 2025
تسجيلكثر الجدل في العالم العربي بشكل عام، وفي دول الخليج بشكل خاص حول اللغة العربية والهوية، وما تواجهه من تحديات يفرضها العصر بما شهد ويشهد من تغيرات سياسية واقتصادية وتعليمية، واجتماعية.... وغيرها، وما نجم عنه من تغيرات فكرية وقناعات غير منطقية ولا موضوعية لدى مسؤولي بعض هذه الدول، تمثلت في جمود اللغة العربية وعدم صلاحيتها لتدريس العلوم باعتبارها ليست لغة علم ولا تكنولوجيا، وتبنّي اللغة الإنجليزية في المقابل باعتبارها أولاً- لغة عالمية لا بد من تعلمها والتخاطب والاتصال والتواصل من خلالها بين كل من المعلم والمتعلم في البيئة التعليمية، وباعتبارها من جهة أخرى لغة العلم والمعرفة في عصر العلم والتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات. ولكن هذه القناعات للأسف ليست مبنية على أساس، وتفتقر إلى السند العلمي، والدليل المادي الداعم لها. فكيف لهذه اللغة في ظل هذه المزاعم أن تكون جامدة، وقد اختارها الله سبحانه وتعالى لتكون لغة القرآن الكريم، الغني بالدلائل والشواهد العلمية والقرائن المادية المفسرة لآياته سبحانه وتعالى؟ وكيف تكون اللغة العربية جامدة وغير فاعلة، وقد كانت لغة العلم والمعرفة والطب، والفيزياء والعلوم الطبيعية، والرياضيات عند العلماء العرب والمسلمين مثل ابن سينا، وجابر بن حيان، والخوارزمي، وابن النفيس، وابن رشد، وابن الهيثم، وغيرهم من العلماء الذين أخذ الغرب عنهم العلم والمعرفة، وأصبحت كتبهم تدرس في أرقى الجامعات العالمية، فأين جمود اللغة كما يزعم هؤلاء؟ وكيف بنا في ظل هذه القناعات الناقصة استبدال ما هو أدنى بما هو خير؟ كاستبدال الثرى بالثريا، والإنجليزية بالعربية؟ ولغة الإنسان بلغة القرآن؟ فقد استبدلت لغة التدريس الحالية الأعجمية «الإنجليزية» لتحل محل لغة التدريس الأصلية «اللغة العربية» في المجتمعات العربية نتيجة لتأثير هذه القناعات المهيمنة على عقول المسؤولين عن التعليم وأصحاب القرار في المؤسسات التعليمية. وهذا بدوره أثار حفيظة وقلق الأهالي وأولياء الأمور، وشرائح كبيرة في هذه المجتمعات على مصير اللغة والهوية العربية، ومستقبلهما. ولذا، ثارت ثائرة الغيورين على اللغة العربية، وما تمثله من هوية وكينونة، ونهض الحريصون عليها، واشتاط غضبهم، وهبوا لنصرة هويتهم والدفاع عن كينونتهم، فعبروا عن سخطهم، وغيرتهم، وحرصهم على لغتهم بكل الوسائل الحضارية المتاحة، فتعالت الأصوات الدينية من على منابر المساجد في خطب الجمعة، ونُشرت الآراء الحرة من خلال المقالات الصحفية، وعقدت الندوات العلمية، والمؤتمرات والمناظرات الفكرية، ونظمت الأمسيات الشعرية، وغيرها من وسائل التعبير الفردية والجماعية والجماهيرية على مدى السنين القليلة الماضية، حيث كانت آخر هذه الندوات والمؤتمرات والتجمعات التي تصب في هذا الإطار هو ما أطلق عليه «يوم اللغة العربية» الذي نظمته كلية الآداب والعلوم بجامعة قطر مؤخرا، والذي اتخذ من عنوان «لغتي هويتي» شعارا له.. باعتبار اللغة هوية، والهوية كينونة، فطمس اللغة يعني ضياع الهوية، والقضاء على الكينونة. وبالطبع لن يرضى أحد أيا كان بضياع هويته وكينونته وإلغاء وجوده. ولذلك، كانت هذه المقالات والمؤتمرات والمناظرات الفكرية، والتي بدورها خلقت بيئة مواتية للتواصل الفكري بين المفكرين والمثقفين والتربويين والكتّاب، مما أدى بدوره إلى تنظيم مناظرات بين أطراف مؤيدة وأخرى معارضة في دولة الإمارات العربية المتحدة وفقا لإشارة كل من الباحثين د. نجم الدين الشيخ، ود. حسن تريب (2010). وكانت هذه المناظرات سببا رئيسا في إجراء هذه البحوث والدراسات، حيث دفعت الباحثين في جامعة الإمارات بمدينة العين إلى البحث عن أسباب هذا الجدل مما أدى إلى تنشيط تيار البحث العلمي في مجال التدريس ولغته. وبناء عليه قام كل من د. الشيخ، ود. تريب (2010) بدراستين مشتركتين بينهما حول أثر لغة التدريس في تعلم المفاهيم العلمية، والتي توصلا من خلالهما إلى عدم جدوى التدريس باللغة الإنجليزية في تدريس العلوم، حيث لوحظ أن التدريس بغير لغة الجمهور يطيل الطريق إلى الوصول إلى الحقائق العلمية والمفاهيم والمبادئ حيث يهدر الكثير من الوقت في الترجمة إلى لغة الجمهور الأصلية وهي اللغة العربية، مما يفقد الموقف التعليمي فاعليته ومتعته حيث التعثر في عملية التعلم، وزيادة حجم الصعوبات التي يعاني منها كل من المعلم والمتعلم. . وبالعودة إلى كل من دراستي د.الشيخ، ود. تريب (2010) الآنفتي الذكر، واللتين تم تقديمهما في المؤتمر التربوي المنعقد على هامش أسبوع التجمع التربوي السادس في الفترة من 27 مارس إلى 1 أبريل من العام الحالي تحت شعار «القراءة من أجل الحياة» فقد لاحظ الباحثان شوق الطلبة إلى التحدث بلغتهم الأصلية (العربية) في غياب المعلمين في الصف الدراسي وخارجه، مما يعني حرمان المتعلم من حقه في التحدث إلى زملائه الطلبة في المدرسة بلغته الأصلية في حضور المعلمين، وهذا بدوره يشكل نوعا من المعاناة النفسية للطالب، والشعور بالاضطهاد النفسي عند الطلبة، كما يؤدي ذلك دون شك إلى عدم الارتياح للجو المدرسي العام، مما يجعل من بيئة التعلم بيئة طاردة غير جاذبة على الإطلاق حيث المنع والتحريم، والكبت والضغط والإحباط. ولو سلمنا ببديهية التعود والتكيف مع الأجواء المحيطة في المدرسة، وتعود اللسان على التحدث بغير اللغة الأم، فقد أسهمنا في ضعف لغتنا، وضياعها، وفقدان ثقافتنا وهويتنا، وإلغاء وجودنا وكينونتنا العربية والإسلامية في نهاية المطاف ومع مرور الزمن. كما قد يحلو لنا أن ندعو الباحثين في الدولة سواء من داخل هيئة التعليم أو خارجها (مثل جامعة قطر) أن يبادروا بالقيام بإجراء دراسات مماثلة وبحوث علمية تتعلق بالتدريس ولغته وبيئاته التعليمية للوقوف على مواطن القوة والضعف في اعتماد تجربة التدريس باللغة الإنجليزية في مدارسنا القطرية، والحكم على نجاح التجربة من عدمها في ضوء هذه النتائج، فالبيئة مواتية، والأجواء مهيأة، والأرض خصبة لإجراء البحوث والدراسات الميدانية التجريبية المقننة التي يمكن أن تتخذ القرارات التعليمية الصائبة في ضوء نتائجها المحتملة.. هذا، والله من وراء القصد.