13 سبتمبر 2025

تسجيل

"عاصفة الحزم" من التكتيك إلى الاستراتيجيا

05 أبريل 2015

بعد أكثر من عشرة أيام على انطلاق (عاصفة الحزم) كعمليةٍ عسكرية شاملة تهدف إلى إنقاذ اليمن من التفكك، ودعم الشرعية فيها، وإنقاذها من الفوضى، آن الأوان للحديث عنها بمقاربةٍ أخرى نعتقد أنها في غاية الحساسية. فمن المؤكد أن العالم عاش في القرن الماضي، على الأقل، تجارب مشابهة لهذا الحدث لأسباب مختلفة. لسنا هنا في معرض الحديث عن الأسباب وإنما النتائج. فقد تراوحت نتائج تلك التجارب بين ثلاثة احتمالات: فإما أنها حققت الهدف المباشر المُراد منها حصراً دون زيادة أو نقصان، أو أنها طَالَت لأمدٍ غير مرغوب بشكلٍ بات يحمل شيئاً من العبء والاستنزاف، أو أنها أصبحت نواة منظومةٍ إقليمية، وأحياناً عالمية، جديدة على المستوى الاستراتيجي.ثمة احتمالٌ قوي على أن من خطط لـ (العاصفة) أخذ هذه الاحتمالات بعين الاعتبار. والمؤشرات متوافرة على إرادة الوصول إلى تحقيق النتيجة الثالثة. لكن هذا لايلغي ضرورة شرح المسألة بدرجةٍ من التفصيل ليُدرك القارىء العربي الدلالات بعيدة المدى للموضوع، ولايسقط في فخ انتظار نتائج سحرية سريعة. والأهم، ألا يقع فريسةً لآلة الدعاية الإعلامية للحوثيين ومَن وراءهم، من خلال البحث بأي طريقة عن (انتصارات إعلامية) لها أثرها النفسي، ومن ثم العملي، على الجميع سلباً وإيجاباً.هذا أمرٌ في غاية الأهمية لأن هناك زخماً شعبياً عربياً متزايداً، على المستويات النفسية والفكرية والعملية، ينتظر ويترقب بلهفة، في اللاوعي أغلب الأحيان، نقلةً استراتيجيةً كبرى تترتب على (العاصفة).. وخطورةُ هذا العامل تتمثل بدورها في أن الزخم المذكور سيكون هو (الحاملة) الجماهيرية الكبرى المطلوبة للترتيبات القادمة التي تهدف لـ (تصحيح) أوضاع المنطقة تدريجياً على مختلف المستويات..إذ لم يحدث أن نالَ قرارٌ (رسمي) عربي هذا القدر من الشعبية الجماهيرية منذ أمدٍ طويل، هذا إن حصلَ مثلُ ذلك أصلاً. بمعنى أن ثمة فرصةً، استراتيجيةً أيضاً، لردم فجوةٍ في غاية الخطورة لم تفتأ تتسع بين الحكام والشعوب في عالمنا العربي منذ مرحلة الاستقلال عن (الاستعمار).من هنا، ينبغي، أولاً، وضعُ الإنسان العربي في صورة الحدث بمراحله وأبعاده ومقتضياته المُعقدة. فضلاً عن تأكيد العناصر المطلوبة لانتقال (عاصفة الحزم) من كونها تكتيكاً عسكرياً محدد الأهداف، إلى أن تُصبح (نواة) المنظومة الإقليمية الجديدة التي تعيد تغليب المصلحة العربية، في وجهِ ماكان، ولايزالُ، يُرادُ لها من تغييبٍ وإلغاء.فعلى الصعيد الداخلي في اليمن، تمتد دائرة العمل المطلوب لتشمل تنظيم صفوف الشرعية السياسية والعسكرية بكل أنواعها، بمختلف السبل والوسائل المعروفة في عالم السياسة.. وبحيث يتم، وفق جدولٍ زمنيٍ محدد، إضعاف قوة الحوثيين العسكرية، وكسر تحالفاتهم السياسية والقبلية، وإيقاف كل سبل إمدادهم الداخلي والخارجي، وهزيمتهم في الحرب الإعلامية النفسية، وصولاً إلى محاصرتهم شيئاً فشيئاً بحيث يدركون، دون تردد، أن خيارهم البديل للإلغاء الكامل، في حال إصرارهم على ممارساتهم المرفوضة كلياً، ينحصر في القبول النهائي والموثق للحل السياسي الذي يُبقي لهم دوراً يقتصر علي تمثيل حجمهم كجزء من اليمن الموحد، بعيداً عن أوهام السيطرة وأحلامها.أما على الصعيد الإقليمي، فمن الواضح تماماً، باستقراء الأحداث والمعطيات الدقيقة.. أن القيادة السعودية تُمارس درجةً عالية من الحكمة وضبط النفس تجاه قرارات وتصرفات غير مدروسة قصيرة المدى في حساباتها من قبل بعض الأطراف. رغم هذا، يبدو أن أهمية الموضوع تدفع المعنيين في تلك القيادة لإرسال رسائل، غير مباشرة، تتعلق بأهمية وحساسية (ضبط) الصف الإقليمي وانسجام مواقفه.. أولاً وقبل كل شيء، لأن هذا يحقق مصالح الجميع استراتيجياً على المدى المتوسط والبعيد، وهي مصالح ستتأثر سلباً حالَ الإصرار على الحسابات القصيرة. هذا أمرٌ بات يجب أن يُفهم، وأن تأتي القرارات والممارسات بجميع مستوياتها وأنواعها مستجيبةً لمقتضياته.هناك، بعد هذا، عنصرٌ هام لتأمين النقلة التي نتحدث عنها، تتمثل في العمل الحثيث، سياسياً، وثقافياً وإعلامياً واقتصادياً واجتماعياً، لاستغلال فرصة (الالتحام) الرسمي / الشعبي الراهنة، عبر رسم سياسات مُبتكرة ومُبدِعة جديدة، تتمحور حول توسيع فرص المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي، وإشاعة معاني الشفافية والمسؤولية، والتوزيع العادل للثروة، وتأكيد العمل الفعال والحقيقي في مجال التنمية الشاملة للأوطان. فالواضحُ بالاستقراء السياسي، أن ثمة (نافذة فرصة) أخرى فَتَحتَها التطورات في هذا المجال. وأصبح ممكناً جداً، في حال وجود الإرادة السياسية والإبداع في الفكر السياسي، تجاوزُ مأزق المفارقة النهائية بين الحاكم والمحكوم وحتمية الصراع بينهما. وتلك فرصةٌ قد يُثبت التاريخ أن تضييعها، فيما لو حدث، يمكن أن يكون أكبر خطيئةٍ في تاريخ العرب المعاصر المعقد، والذي لاتوجد كثير احتمالات لنوافذَ فرص استراتيجية فيه.أخيراً، وعلى الصعيد الدولي، تبدو لحظة (عاصفة الحزم) تاريخيةً بكل المعاني. إذ تتزامن مع الحديث المتصاعد عن اتفاقٍ، بغض النظر عن تفاصيله، مع إيران. إلا أن من الواضح أنه يبقى استمراراً لـ (قرارٍ) من بعض القوى الدولية باعتمادها (الشريك) الأساسي في المنطقة، بما يبدو أنها قدمتهُ من ضمانات لمقومات شراكتها، من تدفق النفط إلى حفظ أمن إسرائيل. مروراً، وهذا الأهمﱡ حضارياً، بضمان المساهمة في تمزيق المنطقة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وبالتالي، إضعافها بشكلٍ مُقدﱠر وطويل المدى. وذلك بناءً على ماذكرنا سابقاً أنه قناعةٌ من تلك القوى بأن (الاختراقات) الإيرانية الأخيرة هي دليلُ قوةٍ إقليمية حقيقية لها، وبأن (إنجازاتها) علامةٌ نهائية على خروج العرب من اللعبة، على أساس فقدانهم الكامل للقدرة على المبادرة.لامفر من أن تصبح (عاصفة الحزم) نواة منظومةٍ إقليمية جديدة. وإذا كان ثمة مؤشرات تدل على أن أصحاب العلاقة يعملون لتحقيق ذلك، فإن من واجب كل من يهمه الأمر المساهمة، بكل طريقة ممكنة، لترسيخ مقومات النقلة المطلوبة، وفرضِها لتصبح أمراً واقعاً على جميع المستويات، وفي أسرع وقتٍ ممكن.