15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإخوان في مصر.. هل انقلبوا على تعهداتهم ؟

05 أبريل 2012

الإخوان المسلمون في مصر كانوا وعدوا عقب سقوط النظام المصري السابق بعدم تقديم مرشح منهم لموقع رئيس الجمهورية .. ولكنهم عادوا فدفعوا بفلذة كبدهم ونائب مرشدهم – خيرت الشاطر – لذلك المنصب .. فهل هذا تراجع منهم عما سبق وتعهدوا به؟ وماذا بقي لهم من الصورة الأخلاقية والقيمية التي هي بالنسبة لهم أعلى وأهم من أي تكتيك ومن أي مصلحة حزبية وانتخابية ؟ وهل هذا دليل على ما يشاع عنهم من أنهم يلجؤون لمسالك الديموقراطية ثم سرعان ينقلبون عليها ؟ وهل هم لا يأبهون بالصورة الذهنية والتاريخية التي ستتركب لهم في وجدان الرأي العام إلى هذا الحد ؟ ذلك كله يقوله خصومهم في سياق نقد قرارهم .. أم أن هذا كله ليس في واردهم كما يقول الإخوان وأن الأمور تجري في سياقات أخرى ؟ وأقول : لفهم قرار الجماعة وموقفها وما يجري في مصر الآن ثم للحكم عليه ؛ لا بد من استحضار ما حدث بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي فازت فيها حماس وشكلت بموجبها الحكومة العاشرة ثم الحادية عشرة .. وليس أحد يصدق أن وجود محمود عباس – رئيس السلطة – في أروقة المجلس العسكري وفي اجتماعات متواصلة مع المشير طنطاوي ورئيس المخابرات مراد موافي هو أصلا من أجل بحث مسائل المصالحة الفلسطينية .. الأمر أبعد من ذلك ويؤشر على العلاقة الوثيقة بين ما جرى في السلطة وانتهى بالصراع مع حماس ثم إلى الانقسام والحصار .. والحالان حال واحد .. والجهتان اللتان تتصارعان هما ذاتهما هنا وهناك .. ولنتذكر يوم فازت حماس بالتشريعي الفلسطيني وكيف بادرت حركة فتح لتطويق هذا الفوز ثم لإفراغه من مضمونه ( فجمعت التشريعي يوم 13 / 2 / 2006 ليتخذ قرارات تقلل سلطته الرقابية والتشريعية ، ثم لينقل معظم صلاحيات الحكومة للرئيس ، ولنتذكر أنهم سلموا الوزارات لحماس فارغة من الموظفين ومن الملفات ومن المعلومات ومن الميزانيات .. وأن منظمة فتح "دلقت " النقابات التي تسيطر عليها في المشاغبات والمماحكات السياسية في المظاهرات والإضرابات والاعتصامات ، وأنها حركت عناصرها التنظيمية وميليشياتها للاعتداء على المجلس التشريعي وإفلات الأمن، وحرضت الأجهزة الأمنية التي كانت تحت إمرة المشهراوي وأبو شباك على عدم الانصياع لأوامر وتكليفات الحكومة الجديدة .. انتهاء بتشكيل فرق الموت مع الجنرال دايتون الأمريكي وهو ما فضحته " مجلة فانتي فير " وصولا أخيرا إلى الانقسام ثم الحصار .. ) . السيناريو ذاته يسعى فيه عسكري مصر ومخابراتها كنوع من الانقلاب على الثورة وعلى فوز الإخوان المسلمون .. العسكري لم يتعامل مع الإخوان بحسن نية ولم يقدر رغبتهم في عدم الصدام بالتقدير ولا بالاحترام .. وتهيأ له أن الإخوان إنما ابتعدوا عن الرئاسة إما لأن طموحهم - في هذه الدورة الانتخابية على الأقل – لا يتعدى تحصيل شرعية العمل الرسمي ، أو أنهم يخافون المغامرة ولا يريدون أن يكونوا سببا لحصار مصر .. هذا الفهم هو الذي جعل العسكر يحاصرهم ويحاول تهميش وتهشيم البرلمان الذي فازوا بأغلبية مريحة فيه .. وجعله – أي العسكري - يقوم بتعيين حكومة الجنزوري دون مشاورتهم كقوة كبيرة ودون اعتمادها بعد انتخابهم وتشكيل البرلمان الجديد .. فصارت كما حكومة سلام فياض فوق مساءلة البرلمان وغير منحكمة له ولا تطلب شرعية منه .. أما افتعال الأزمات والانفلات الأمني فهو ذاته يحصل .. ( أزمة في الوقود ، وأزمة في الغاز ، وأزمة في النقل ، ومجزرة في بور سعيد ، ومحاولة اغتيال لمرشح رئاسة ، وانفلات أمني ومزيد من التهلهل الاقتصادي .. وصولا لتهديد الإخوان بسحقهم وإيقاع مجزرة سياسية وأمنية بهم كالتي تعرضوا لها على يد عبد الناصر والمشير عامر في ال54 وال56 وال66 من القرن الماضي ) .. فإذا كان الإخوان بعد أكثر من عام من الرصد والخبرة بهذا المجلس ومن تصريحاته ومواقفه وقراراته وممارساته لم يفهموا اللعبة حتى الآن وإلى أين تسير الأمور فمتى يفهمون ؟ وإذا كان الإخوان بعد كل هذا الصبر والمناورة لن يتحركوا الآن وهم يرون المجلس العسكري يستعيد النظام السابق في شخص عمر سليمان أو عمرو موسى فهل سيتحركون بعد أن تقع الفأس بالرأس وهل سينتظرون أربع سنوات أخرى وربما ثماني ليبحثوا عن موقع الرئاسة ؟ وهل على الإخوان أن يتركوا الأحداث تأكل من لحمهم وعظمهم وأعصابهم وربما تصادر كل مشروعهم من أجل أن لا يقال إنهم أخلفوا وعودهم ونقضوا عهودهم ؟ وهل هذا المنطق مقبول على مستوى العلاقات الفردية والمصالح العادية إذا كان الطرف الآخر يتنكر لأبسط مفاهيم الوفاء والمجاملة ؟ وهل هكذا تقرر السياسة وترسم مصائر الأمم ويكتب التاريخ وتنجز التحولات الكبيرة ؟ وهل على الإخوان أن يظلوا منتظرين أن يتلطف وأن يتعطف عليهم مرشح رئاسي مغامر ليقف بوجه العسكر وليردهم إلى حيث يجب أن يكونوا داخل المعسكرات ومن فوقهم وزير حرب فوقه رئيس وزراء فوقه برلمان وفوق البرلمان رئيس جمهورية وفوقه دستور محترم؟ الإخوان لم يريدوا سلطة خالصة لهم من دون الناس وقد أشبعوا وسائل الإعلام تصريحات بهذا المعنى وأتبعوا تصريحاتهم مواقف عملية ليس أولها تشكيلة تأسيسية الدستور – وإن قال خصومهم غير ذلك – ولقد قاموا بالتواصل مع أكثر من شخصية عامة مناسبة للترشح في هذه المرحلة الهامة والفاصلة في تاريخ الوطن ولكنهم جميعا – وكما جاء في بيان الإخوان الأخير - رفضوا وأبدوا اعتذارهم ) .. وإذن ؛ أليس حصول الإخوان على هذا الموقع هو الضمانة للسلم الوطني وللحيلولة دون تغول المؤسسة العسكرية على مؤسسات الشعب الشرعية ؟ أليس خير ألف مرة أن يرشحوا رئيسا من أن تقع فتن تقلب كل المعادلات لا قدر الله ؟ ثم أليس تخليهم عن ذلك هو تقصير بل هو الخيانة عينها لمصر التاريخ والدور والثورة والحاضر والمستقبل وللإسلام الذي يأمرهم بتقديم درء المفاسد وإزالة الضرر عن الأمة .. أليست هذه صفحة بيضاء وتضحية باهرة تسجل لهم ؟ أما أن حكم الإخوان سيجلب على مصر الحصار والفقر .. فهذا ليس صحيحا أو بالأحرى ليس بالضرورة أن يحدث .. ومصر ليست غزة ، لا سياسيا ولا قانونيا ولا جيوسياسيا ولا عسكريا ولا جغرافيا ولا اقتصاديا ، وهي ليست أقل من سوريا التي يخشاها الغرب كما نرى .. ومصر – الحديثة – سبق أن خاضت حروبا شاملة ومع دول عظمى ولم تنحن لها لمجرد أنها دول عظمى ، ثم إن مصر الإسلام والعروبة والثورة إن خاضت حروبا على أساس هويتها واستقلالها فإنها ستدب بدبيبها وستخطو بخطوها الأمة كلها .. ، وأقول : في أي مذهب وبأي منطق يحرم الإخوان من حق الترشيح لموقع الرئاسة ؟ هذا إذا كنا نتكلم بلغة دستورية ولغة الثورة ولغة الحق وبمنطق القيم الوطنية والأخلاق .. وليس بلغة الإقصاء ومنطق الساقط حسني مبارك والعمالة للأجنبي والهزيمة أمام الأمريكان والصهاينة ، وإذا كنا لا نتكلم على طريقة فرعون الأول الذي قال ( ما أريكم إلا ما أرى ) وقال ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) ؟ وإذا لم يكن من حق الإخوان أن يقدموا مرشحا للرئاسة وهم الأغلبية ؛ فهل من حق الأقلية أن تفعل ذلك ؟ وهل الحرية التي جاءت بها الثورة هي فقط أن تقول الجرائد كلاما جميلا يطير أدراج الرياح ؟ وهل العدالة التي ينشدها الشعب المصري وننشدها له هي فقط أن تصل المعارضة لبرلمان هزيل جامد مفرغ من كل معاني السيادة على نفسه ؟ وإذا كانت مصر على شفا أن تعود لحكم العسكر ولحكم عمر سليمان وصنائع أمريكا " وإسرائيل " وجماعة كوبنهاجن ؛ فهل على الإخوان أن يدسوا رؤوسهم في الرمال وأن يعموا عن الحقيقة وأن يتركوا الثورة تذبح وأن يتنقلوا بين الحفر؟ آخر القول: على كل من يتكلم في الشأن المصري من مصريين أو غيرهم - أن يضعوا في اعتبارهم دائما أن الإخوان المسلمون في مصر وفي غيرها هم جزء من الواقع ومن الثورات وليس أحد أولى منهم في رسم حاضر بلادهم ومستقبلها، وكل دعوى تنتقص من هذه الحقيقة هي دعوى ليس لها قوائم حقيقية.. وليس على الأكثرية لكي يقال إنها عادلة ومتفهمة أن تتخلى عن حقوقها لأقلية ستوجد دائما ولو في عشرة أشخاص أو مائة..