19 سبتمبر 2025

تسجيل

أيام لا تنسى في الدوحة

05 مارس 2020

وأنا أحزم حقيبتي التي تعودت على الأسفار كحال صاحبتها، تجول بخاطري بعض الصور، تحاصرني الأمنيات ودفتر يومياتي يزدحم بالوعود والمهام في ذات الوقت، بضع ساعات تفصلني عن المدينة القادمة، المأوى الجديد لأحلامي التي يرهقني ترفها في التمادي والتحدي، فكلما تقرفصت في زاوية رمادية رشقتني بالألوان،احلام عالقة في أرض تغالب أسباب الموت لتحيا باسقة كشجرة النخيل. أغادر مطارا إلى آخر وانا مشحونة بالصور الملونة، بالحب والتخيل المباح، وبعض الكتب التي أعشق، وثرثرتي السرية عن الذي ينتظرني عند المحطة القادمة، لامست خطواتي أرض الدوحة، لفحتي موجة البرد فاحتواني هدوء المكان رغم ازدحامه بالمسافرين، كانت لدي قائمة بالأسماء وأرقام الهواتف من الأصدقاء بالخرطوم، وضعوها بين يدي لأصدقاء لهم بالدوحة، حتى لا اتوه في مدينة لم ازرها من قبل، نظرت إلى القائمة بضع ثوان، ثم أعدتها إلى حقيبتي التي تلتصق بيدي كبصمة اصبعي التي لولاها لما استطعت العبور من بوابة المطار إلى قلب الدوحة. الان يمكنني أن أخلع نظارتي الداكنة لأفسح المجال لعدسة عيني بالتلاقي البصري المباشر مع معالم المدينة الفريدة، لحسن الحظ أنه كلما مررنا بمكان ذكروا لي اسمه دون أن أسأل، فذلك جزء من الترحاب والحفاوة، حتى وصلت إلى وجهتي وانا ممتلئة بالأسماء والصور، لليوم التالي، الذي يمثل اليوم الاول للتظاهرة الثقافية التي من من أجلها غادرت الخرطوم، فقد كان التاسع من يناير بوابة العبور إلى معرض الكتاب بالعاصمة القطرية (الدوحة)، كانت زاويتي بالقرب من الجدار الحر، ذلك الذي تستطيع أن تعبث فيه بريشتك قدر ما تشاء ثم تغادر أكثر سعادة وحب، للذي تركته خلفك ترمقه نظرات المارة بإعجاب أو ربما دهشة أو استفهام، وودت ألف مرة أن أترك ملامحي على الجدار فلم أستطع لانشغالي بترتيب الكتب والترحيب بالعابرين والزوار. كل زاوية هنا تحمل بصمة ساحرة تأخذك إلى عالم جديد، العشرات من دور النشر العربية والعالمية والمحلية تتراص في انسجام تام، تلفها لوحات التشكيليين بنظرتهم السريالية كانت أو التجريدية، ثم تمتد إليك يد إحداهن بالقهوة العربية زاهية اللون وحبة تمر رطبة أو قطعة حلوى لتكتمل الطقوس المتعارف عليها لاحتساء القهوة هناك، ثم يأتي اليوم الأخير لمعرض الكتاب فتعود الكتب إلى مخبئها تغازل اغلفتها وما بين السطور إلى حين الإفراج عنها في احتفاء قادم في بلد آخر. لكن الدوحة لم تزل تشعل فتيلة افتتاني بها، تسحبني إلى سراديب عشقها فينساب بداخلي كنهر، يأبى أن يلتزم بمساره المعتاد، يتمدد في كل الاماكن بكل هدوء وشغف، حتى بلغت دهشتي النصاب، ادهشتني (كتارا) وهي تستجدي بك كل حرف قرأته لتعلقه عليها فخرا، أدهشتني (قناة الجزيرة) وانا اجوب أروقتها النابضة بالطاقة بكل الحب الإعجاب، ادهشني( سوق واقف) بينما كنت انتقي بعض الاكسسوارات العتيقة التي تنبئ عن عراقة المكان، وهدير البحر عند الكورنيش مع كوب من الكرك الدافئ، ادهشني امتزاج الماضي مع الحاضر، تفاصيل البساطة وهندسة العمارة، احيانا تشعر انك في اليونان، وتارة أخرى يخيل لك انك في باريس بينما تجد نفسك عالقا في شوارع لندن، ثم تكتشف انك بالدوحة فتبتسم لهذا الحظ الجميل.