15 سبتمبر 2025
تسجيلتحتفل المرأة في 8 مارس من كل عام بيومها، يوم عالمي يذكر الأجيال المتعاقبة على نضالات المرأة عبر التاريخ وفي مختلف المجالات. ماذا عن المرأة والإعلام وما هو موقعها في المعادلة الإعلامية سواء كعاملة في المجال الإعلامي أو كموضع يعالجه ويتناوله الإعلام بمختلف وسائله وقنواته. لعبت الصحافة النسائية عبر التاريخ دورا هاما في معالجة قضايا المرأة وتحريرها وكانت بدايتها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بداية مشرفة حيث أسهمت في تحرير المرأة والعمل على إدماجها في المجتمع في مختلف المجالات والقطاعات. وكان دورها فعالا في تعليم المرأة وتحريرها من مختلف القيود والأفكار الرجعية المتخلفة. وبفضل المجهودات الجبارة لدعاة تحرير المرأة وإشراكها في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وبفضل المجلات والصحف المختلفة عبرت المرأة عن إرادتها وعن قدرتها في خوض مجالات الحياة المختلفة جنبا إلى جنب مع الرجل، وكان لها الشرف أن شاركت في الحروب والثورات التي أدت إلى الاستقلال ونيل الحرية والتخلص من الاستعمار الأوروبي. وكانت الصحافة آنذاك صحافة تنبع من أعماق مشاكل المرأة العربية وهمومها وطموحاتها. واتسمت قيم و مبادئ الصحافة آنذاك بالأصالة والجدية والاحترام التام لمبادئ الدين والتقاليد والعادات الأصيلة. وكانت الصحافة في ذلك الوقت صحافة قضية ومبادئ ورسالة نبيلة، لم يكن يشغلها الربح ولا الإعلانات ولا أخبار المودة والأزياء والنجوم. صحافة زمان فتحت أبوابها للمرأة الشاعرة وللقاصة وللمهندسة وللطبيبة وللجامعية وللممرضة للتعبير عن أفكارها وآرائها ومشاكلها وهمومها. هذه الصحافة كانت قناة لحرية التعبير ولحرية الفكر والرأي واستطاعت بذلك أن تساهم في تكوين الرأي العام وفي إسماع صوتها للمجتمع. عند الكلام عن الصحافة النسائية أول تساؤل يلفت انتباهنا هو ما هي مكانة المرأة العربية في المجتمع، وما هو دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.. إلخ؟ وإلى أي مدى استطاعت المرأة أن تفرض وجودها وتطرح مطالبها وتشارك في الحياة بمختلف دروبها وأبعادها؟ التساؤل الثاني يجرنا لمحاولة معرفة ما هو عدد الصحفيات اللواتي يمارسن المهنة في مختلف المؤسسات الإعلامية، ورغم أن الجنس اللطيف يفوق الذكور إلا أن عدد الصحفيات وحسب نتائج الدراسات الأخيرة للقائمين بالاتصال لا يتجاوز الـ25% من العدد الإجمالي للصحفيين الممارسين. وهذه النتيجة تقودنا إلى تساؤل آخر وهو ما هي المناصب القيادية التي تتمتع بها الصحفية العربية في المؤسسة الإعلامية؟ والإجابة تبعث على التشاؤم حيث أن نسبة قليلة جدا من الصحفيات وصلت إلى منصب رئيس قسم، أو رئيس تحرير أو مدير. وهذا يعني الكثير بالنسبة لفعالية العنصر النسوي ومشاركته في اتخاذ القرار. كيف ينظر المجتمع إلى المرأة؟ و كيف ينظر إلى المرأة العاملة وعلى وجه الخصوص المرأة الصحفية. والملاحظ أن الصحفية تعاني من مشاكل عديدة، فإنها تعاني من نفس المشاكل الذي يعاني منها الصحفي الرجل إضافة إلى مشاكل أخرى خاصة بها كامرأة تمارس عملها في مجتمع رجالي ما زال ينظر إلى المرأة كعنصر تابع غير قادر على الإنتاج والعطاء إلا في البيت.كل هذه المشاكل والعراقيل أدت بطبيعة الحال إلى خروج الصحافة النسائية عن مسارها الصحيح، وعن طرح ومعالجة القضايا والمشاكل الحقيقية - التي لا تحصى ولا تعد - للمرأة في الوطن العربي وراحت تهتم بالقشور وبالشكليات. وهكذا دخلت قيم خبرية وإعلامية على الصحافة العربية لا علاقة لها بواقع المرأة ومشاكلها في الوطن العربي، وتفننت المجلات النسائية في التسابق على عرض مواد التجميل والأزياء والموضة وتقنيات الرشاقة وأخبار النجوم والأغاني والأفلام.. إلخ. وهكذا حكمت الصحافة النسائية على نفسها بنفسها، وأكدت أن المرأة يتحدد وجودها وينتهي في المطبخ وفي التجميل والموضة والرشاقة. وكأن لا وجود لها في المجالات الأخرى، وكأن المرأة لم تقتحم السياسة والمحاماة والطب والتجارة والاقتصاد والجامعات ومراكز البحوث والرياضة والتعليم ومجالات أخرى كثيرة ومتشعبة. وهكذا ابتليت الصحافة النسائية بداء القيم الغربية وأصبح موقعها في الإعلام كذلك الذي تعاني منه زميلتها في الدول الغربية، أي التعامل مع المرأة وكأنها سلعة commodity وحاجة وشيء object لا أكثر ولا أقل تجدها في إعلانات السيارات والعطور وفي غلاف المجلات والصفحات الأولى من المطبوعات لضمان البيع. هذه القيم إذن، يغلب عليها طابع التبسيط والتسطيح والتهميش والسلوك الاستهلاكي والتركيز على الشكليات، ما يؤدي إلى الابتعاد وعدم التطرق للمواضيع الحساسة والرئيسية التي تشغل المرأة وواقعها واهتماماتها وهمومها ومشاكلها. فبدلا من معالجة قضايا مثل العلاقة بين الزوج والزوجة أو العلاقة بين الأولياء والأولاد أو العلاقة بين المرأة والمجتمع، ومشاكل المرأة العاملة، أو على سبيل المثال مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومساهمتها في الحركة الثقافية والرياضية والاجتماعية نجد الصحافة النسائية منهمكة في مواضيع لا تثري ولا تفقر الغالبية العظمى من النساء.إذا أردنا أن نقيّم ونحكم على الصحافة النسائية يجب علينا أن نسأل أولا ماذا نريد من هذه الصحافة؟ وما هي أهدافها، وكيف تنظر هذه الصحافة للمرأة؟ هل الهدف هو الإعلانات وتحقيق الربح؟ أم الهدف هو تغيير واقع المرأة والعمل على تطويرها وازدهارها ورقيها ورفع مستواها التعليمي والثقافي والعمل على إدماجها في المجتمع. هل تهدف الصحافة النسائية إلى طرح المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة في المجتمع بكل موضوعية وبكل صراحة وبكل حرية وديمقراطية؟ هل الصحافة النسائية هي منبر للمرأة للتعبير عن همومها ومشاكلها وانشغالاتها؟ أم هي صحافة تعمل على تهميش المرأة وتفريغها من محتواها الحقيقي؟ هل تعمل هذه الصحافة على تشجيع المواهب والعنصر النسائي في مختلف مجالات الحياة؟ هل الهدف من هذه الصحافة هو ترسيخ العادات والتقاليد والثوابت والمعتقدات وإرساء القيم العربية الإسلامية؟ هل الهدف من الصحافة النسائية هو بعث التراث والاهتمام بتاريخ المرأة وبتاريخ الحركة النسائية وإنجازاتها عبر العصور؟ وأخيرا هل الهدف من الصحافة النسائية هو تحسين أوضاع المرأة وتطويرها وبذلك تغيّير الواقع أم الهدف هو تكريس الوضع الراهن، ومن هنا تكون هذه الصحافة ناقلة وليست مغيّرة وتصبح المرأة مجرد رقم في معادلة آلة إعلامية هدفها تحقيق الربح وتكريس الوضع الراهن.