17 سبتمبر 2025
تسجيلولاشك أن المعارضين لترشح الرئيس بوتفليقة كثر أيضا، لكنهم غير موحدين، وبالتالي غير فاعلين على صعيد المشهد السياسي الجزائري، إذ ينطلقالمعارضون ليس من عدم حق الرئيس بوتفليقة في الترشح للانتخابات الرئاسية، فالدستور الجزائري لعام 1996 الذي كان يحدد عدد الولايات الرئاسيةباثنتين، تم تعديله في عام 2008 ، ليصبح الترشح مفتوحاً، وبالتالي أصبحت الرئاسة مدى الحياة، و إنما ينطلقون من الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، الذي تعرض لأول أزمة صحية سببها قرحة في المعدة في عام 2005 ، وذهب للعلاج في فرنسا، ثم بسبب الجلطة الدماغية التي تعرض لها الرئيس في شهر أبريل 2013 ، حيث تسبب غياب الرئيس الذي عاد إلى الجزائر بعد 80 يوماً من العلاج في مستشفى "فال دو غراس" العسكري ثم مؤسسة "انفاليد" المتخصصة في فرنسا، إلى تفجر الصراع داخل المؤسسة العسكرية دفع ثمنه قادة بارزون في جهاز الاستخبارات، على رأسهم قائده الجنرال محمد مدين توفيق. واضطر الرئيس بوتفليقة للتدخل ببيان رئاسي قبل أيام، لوضع حد لهذا الصراع، إذ وقف بوتفليقة علناً ضد الحملة على الاستخبارات العسكريةالتي قادها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني، في محاولة منه ل"تبرئة ذمة" من تصريحات سعداني، إذ دعاه دون أن يسميه إلى الكف عن انتقاد الاستخبارات (دائرة الاستعلام والأمن. وأكد بوتفليقة أن "أحداً مهما علت مسؤولياته ومنصبه، لا يحق له أن يتعرض للمؤسسة العسكرية ويضرب استقرار البلاد وتوازن هذه المؤسسة أو غيرها من المؤسسات الدستورية". وأضاف: "اعتدنا على الأجواء التي تخرقها بعض الأوساط قبل كل استحقاق، لكن هذه المرة وصل التكالب إلى حد لم يصله بلدنا منذ الاستقلال، فكانت محاولة المساس بوحدة الجيش الوطني الشعبي والتعرض لما من شأنه أن يهز الاستقرار في البلاد مندداً ب "عملية مدروسة" لضرب استقرار الجيش والاستخبارات والرئاسة.وتأتي الأحزاب الإسلامية والعلمانية في صف المعارضين لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، بل إنها ذهبت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، لعل أبرزها، "حركة مجتمع السلم" التي تمثل تيار "الإخوان المسلمين" في الجزائر، وحزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (العلماني)، و "جبهة العدالة والتنمية" برئاسة عبد الله جاب الله. ويرى جاب الله، في مقابلة مع صحيفة "الجزائر نيوز"، إن "الانتخابات في الجزائر تُستغل لمصلحة مرشحالسلطة، وحان الوقت للطبقة السياسية كي تقول لا لاستمرار هذا المسلسل المسرحي"، داعياً إلى "سحب ملف الانتخابات من الداخلية والعدل وأن يسند إلى هيئة مستقلة". تعيش الجزائر في خضم تموجات ما بات يعرف "بالربيع العربي" وتداعياته الخطيرة على صعيد إسقاط النظم التسلطية العربية فيعدد من البلدان العربية، وعجز الحركات الإسلامية التي استلمت السلطة عن بناء السلطة الديمقراطية البديلة، ما جعل حتى الشعوب العربية تعيش حالةمن الارتباك السياسي والحيرة من الإسقاطات المدمرة لثوراتها. وهذا الوضع هو ما يدفع الآن بالعديد من الأحزاب السياسية في الجزائر، لاسيَّما الأحزابالمشاركة بالسلطة، إضافة إلى المؤسسة العسكرية إلى التمسك بترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، خوفاًمن حدوث فراغ كبير يؤدي إلى تفجير الوضعفي الجزائر، في ظل تنامي الإرهاب في معظم العالم العربي. ومن المعروف في التاريخ السياسي المعاصر في الجزائر أن الجيش هو الذي يصنع الرؤساء في الجزائر لا صناديق الاقتراع، وهو دائما يلعب دورا أساسا في تعيين أو إقالة الرؤساء، إذ تعتبر المؤسسة العسكرية الجزائرية أنها الحامية الوحيدة لقوانين الجمهورية، إذ لم تشهد أي انقسام في صفوفها مطلقا في خلال أخطر الأزمات، على غرار المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها الحامية الوحيدة للعلمانية. لقد كان الجيش حيادياً إلى حد كبير في الانتخابات الأخيرة. وتعتبر هذه الحيادية انسحاباً جزئياً وغير كاف من الحياة العامة. ويحتاج انتظام الحياة السياسية إلى دعم قوى سياسية تدخل العملية الديمقراطية وتجعل من انسحاب الجيش منها أمراً لا رجعة عنه، ذلك أن فتح الحياة السياسية على آفاق جديدة مسألة لا يستطيع بوتفليقة بمفرده القيام بها رغم شعبيته الكبيرة الآن. ويستحق الشعب الجزائري حياة أخرى منفتحة ومتطورة، بعد خمسة عشر عاماً مليئة بأسباب القلق والاضطراب. وتخللها نزاع أهلي بالاسم فقط، ذلك أنه تفاقم بين القوات العسكرية للجيش الجزائري من جهة، والحركات الإسلامية المسلحة التي وجدت في الإسلام غطاء ملائماً، وصارت الأشياء تجري من جانب سائر الأطراف بسرية كبرى، بحيث ما عادت هناك أطراف علنية مشاركة في أي شأن من شؤون البلاد. بيد أنه منذ إعادة انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 8 أبريل 2004 بنسبة % 84.9 ، وحصوله على "الشرعية الشعبية"، دقت ساعة أفول المؤسسة العسكرية كصانعة للرؤساء في الجزائر. وتحرر الرئيس بوتفليقة ومعه الفريق الذي يعمل معه، من وصاية الجيش على مؤسسة الرئاسة، وقرر أن يكون الرجل القوي عبر إمساكه بيديه القرار في الجزائر، وإعادة صياغة الحياة السياسية في هذا البلد عبر تغيير المعادلات والموازين في القوى السياسية، بما يدعم مؤسسة الرئاسة على حساب المؤسسة العسكرية. ويكتسب منصب رئيس الجمهورية في الجزائر أهميته من حجم الصلاحيات التي يمنحها الدستور لهذا المنصب، فالرئيس هو رئيس الجهاز التنفيذي المباشر، يساعده وزير أول (رئيس الحكومة)، وهو رئيس السلطة القضائية بصفته القاضي الأول في البلاد، ويُعيّن ثلث أعضاء الغرفة العليا للبرلمان، وله حق التشريع بمراسيم بين دورتين برلمانيتين، كما له حق حل البرلمان.وبهذه الحقوق فإنه الحاكم المطلق عملياً. لاجدال في أن الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيفوز فيها الرئيس بوتفليقة بنسبة كبيرة جدا، نظراً لانعدام حظوظ المرشحين الآخرين الذين سيكونون مجرد "أرانب سباق" وليس منافسين من الوزن الثقيل، وبذلك يؤسس بوتفليقة للرئاسة مدى الحياة، وستظل الجزائر تعيش في ظل دكتاتورية متجددة قد تقحم البلد في متاهة أخرى.