22 سبتمبر 2025

تسجيل

بابا عمرو يكتب نهاية النظام السوري

05 مارس 2012

تجمع العواصم الغربية، ولا سيما واشنطن ولندن وباريس، على تقديم تبريرات لعدم قدرتها على التأثير في الأزمة السورية. ومن ذلك مثلاً تكرارها في أكثر من مناسبة أنه ليس هناك تفويض من مجلس الأمن، هذا صحيح، ويقصد منه وضع المسؤولية على عاتق روسيا بشكل رئيسي، ومعها الصين التي بدت أشبه بالدولة التابعة لروسيا من دون أي تمايز. لكن أي تبرير لا يمكن أن يعفي من المسؤولية، فبعد مضي ما يقرب من السنة على بدء الانتفاضة الشعبية في سوريا، على وقع قتل يومي لم يتوقف، ثم تحول إلى مجازر علنية وإعدامات ميدانية حتى بعد انتهاء المعركة في بابا عمرو، لم يعد مقبولاً أي عذر لتغطية العجز الدولي، بل أصبح في الإمكان القول إن من لا يقدم على أي عمل مباشر لوقف هذه المقتلة، إنما يكون بالضرورة متواطئاً أو مشاركاً، وبالتالي فهو ينتظر النتائج ليتعامل معها، فإذا استطاع النظام السوري أن يحسم بالقوة وبالدم فإنه سيبحث عن صيغ للتعامل معه بعد كل ما ارتكبه، وإذا استمر الشعب في التظاهر والاحتجاج فإن القوى الخارجية ستواصل الانتظار كما فعلت حتى الآن. أصبح بابا عمرو رمزاً لنضال الشعب السوري من أجل حريته، يشهد على ذلك حجم الوحشية التي مورست، وحجم الدمار، وعدد الضحايا والمصابين، وكذلك عدد المهجرين من بيوتهم التي لن يستطيعوا العودة إليها، أو التي لم يبق منها شيء، هذا الحي الحمصي المنكوب أصبح أيضاً شاهداً على العار الذي ألحقه هذا النظام بنفسه، عار تاريخي لا يمكن أن ينسى، ولا يمكن لأي حكم أن يبقى بعده مهما حاول التشبث بالسلطة، وليس هذا العار أخلاقيا فحسب، بل عار الحكم الذي يتحول إلى عدو، إلى قوة احتلال، وكأنه لم ينتم يوماً إلى هذا البلد أو هذا الشعب. فكل الجرائم المروعة التي سجلها جنود النظام هي تحديداً من النوع الذي لا ترتكبه سوى قوات معادية غازية، ولذلك حق للضمير العالمي أن يتحرك وان يعد هذا النظام وقتلته بحساب قاس مهما تمادوا في الإجرام. ينبغي أن تكون موقعة بابا عمرو خاتمة مرحلة وبداية أخرى، لاشك أن ترك النظام السوري يكمل جولته الدموية ينذر بتطورات غير محسوبة حتى الآن، لذلك يجب إيقافه الآن وبدون تأخير، وإلا فإن الأزمة ستمدد إقليميا على نحو خطير، وستثار فيها كل أنواع الانقسامات والرواسب التاريخية، ولن تفقد معها سوريا وحدتها أرضاً وشعباً ودولة وإنما قد يتعداها وباء التقسيم إلى جوارها، وللأسف، بات واضحا أن هذا النظام يلعب ورقة التقسيم القائم على أسس مذهبية، فأي حكم حريص على وحدة البلد، حتى لو كان ديكتاتورياً مستبداً لا يذهب إلى هذا الحد مع التخريب للعلاقات الاجتماعية، ولا إلى هذا الحد من الإصرار على إخضاع الشعب، إلا إذا كان يعتقد أنه لا يزال يعيش في عصر غابر ولىّ واندثرت معه قيمه غير الإنسانية. هناك الآن رهانان دوليان غير مضمونين، لكنهما يمثلان كل ما استطاع العجز الدولي أن يستنبطه للتعامل مع الأزمة السورية، أولهما، مهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بصفته مبعوثا خاصا للأمين العام الحالي بان كي مون، فضلاً عن مشاركة الجامعة العربية في الاعتماد عليه، أما الثاني فيتمثل في "التصحيح" المحتمل للموقف الروسي الذي بالغ في سلبيته، ووصل عملياً إلى النتيجة التي ادعى أنه أراد تفاديها، إذ أنه لم يستطع وربما لم يرد أن يعقلن موقف نظام دمشق، لذلك بدا كما لو أنه يزكي القتل، ويحتقر ضحايا هذا النظام، ويتجاهل المشاعر التي تحرك المجتمع الدولي ضد إراقة الدماء وإرهاب المدنيين. سيكون على كوفي أنان أولاً أن يطالب دمشق بتلبية ما توافقت عليه الأسرة الدولية، بما فيها روسيا والصين، حتى لو لم تصدر بشأنه قرارات ملزمة، فالمطلوب فوراً وقف العنف وتمكين فرق الإغاثة من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والمحرومة من أبسط متطلبات العيش. هناك توافق على هاتين النقطتين وعلى النظام السوري أن يتعاون بوضوح في تسهيلهما ولاشك أنهما تفترضان وقفا لإطلاق النار هنا وهناك، ما يمكن أن يربك خططه لاستكمال ما يسميه الحسم العسكري، ولذلك فإنه قد يبدي استعداداً مراوغاً للتعاون، إلا أنه سيصر على الاحتفاظ بما يعتبره حقه في الذهاب إلى أي منطقة ليقتل المزيد من أبناء الشعب، رغم علمه أنه لن يحسم شيئا، وأنه إنما يزيد وضعه ومأزقه تعقيدا، ثم انه في كل الأحوال، سيساوم على تسهيل وصول المساعدات وقد يطالب بضمانات سياسية لا يستطيع مبعوث الأمين العام توفيره له، باعتبار ان أي بحث سياسي سيأتي بعد اتضاح حس سلوكه في مسألتي وقف العنف وتنظيم الإغاثة. أما الرهان على روسيا فسيبقى رهن كثير من العناصر، علما بأنه إذا حصل تغيير واقعي وعقلاني في موقف موسكو فإنه يمكن أن يساهم إيجابيا في مهمة كوفي أنان، من العناصر الواجب توافرها قبل كل شيء هو الوضوح، فإذا كانت روسيا اعتمدت السلبية لردع أي تدخل عسكري خارجي في سوريا فقد حصلت عليه، وإذا كانت استهدفت فرض مبدأ "الحل السياسي"، فهناك رغبة دولية، فضلاً عن موافقة مشروطة من المعارضة السورية، لترجيح مثل هذا الحل بغية المحافظة على الدولة والجيش وحقن الدماء وتفادي الدخول في حرب أهلية، أما إذا كانت روسيا تستخدم عنت النظام السوري وجرائمه لابتزاز العرب والقوى الدولية في مصالح روسية موزعة هنا وهناك على الخريطة الدولية فلا يؤمل عندئذ بأي خير من أي تغيير محتمل في السياسة الروسية. ثمة الكثير من التكهنات بأن في استطاعة روسيا أن تبدل مجرى الأحداث، باستخدام نفوذها على الجيش والأجهزة الأمنية في سوريا لإحداث تغيير من داخل النظام، ويقول بعض الخبراء إن موسكو تعرف أن نظام بشار الأسد لم يعد قادراً على الاستمرار ولعلها تفضل أن تتولى تغييره بدل انتظار تغيير قد لا تكون لها يد فيه. يبقى هذا في باب التكهنات، فالسياسة الروسية مثلها مثل الأمريكية تفتقد الوضوح، فإذا كانت روسيا تريد الاحتفاظ بنفوذ في الشرق الأوسط ولذا تتشبث بنظام الأسد، فإن ما تهجس به الولايات المتحدة على الدوام هو إسرائيل ومصالح إسرائيل.