12 سبتمبر 2025
تسجيلقال صاحبي: في خضم الهجمات الشرسة التي تستهدف وجود الإنسان المسلم وهويته وقيمه وأسس مبادئه يصبح استقراء واقع المرأة المسلمة ومنزلتها في مجتمعنا الإسلامي ضروريا وملحا؛ لأنه جزء مهم من الواقع الذي نتخبط فيه، أرجو تعليقك بالتفصيل وجزاك الله عني خيراً. قلت: الناظر لأحوال المرأة المسلمة اليوم سواء كانت متعلمة أو أمية، غنية أو فقيرة، يرى أنها تعيش واقعا مذريا في أغلب الأحيان، إلا من رحم ربي، وإذا حاولنا تقص ذلك ورصده نجد أنه ينبع أساسا من عدم وعيها فيما يصون كرامتها وحقوقها وشخصيتها. ويرجع عدم وعيها إلى أنها فرضت على نفسها، أو فرض عليها أن تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة وأسلمت قيادها لجاهليتين، لجاهلية التقليد الأعمى أو لجاهلية التغريب، الأمر الذي أدى إلى فرض واقع مزيف ومهيمن، بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي الذي بسطت معالمه الشرعية الربانية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسلوكيات السلف الصالح، لأنه واقع يتغذى من مفاهيم وتصورات معينة أسقطتها في التخبط في ظل أزمة التفكير، التي أشرنا إليها، وتتجلى مظاهر هذه الأزمنة في سلوكياتها وممارستها. ويمكن حصر المفاهيم والتصورات التي تحدد واقع المرأة المسلمة المعاصرة في المفهومين التاليين: أ- مفهوم ينبع من القصور الشعبي الخرافي للدين، ووضعية المرأة في ظل هذا المفهوم تتحدد بالعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع دون محاولة وضعها في محك الضوابط الشرعية والقواعد التفسيرية الموحدة، وغالبا ما يكون باعتزاز وإصرار على أن هذا المفهوم هو التصور الصحيح للإسلام. ومن أبرز السلوكيات التي تتجلى عند أصحاب هذا المفهوم ارتباطهم الوثيق بالتحليل الخرافي للدين، ونجد المرأة ترتبط بهذه الدائرة ولا تحاول الخروج منها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة كافية لاستيعاب دينها، ناسية أن ممارسة التدين الحقيقي لن يتم على وجهه الأكمل إلا بالتفقه في المصادر الشرعية: القرآن والسنة ويمكن أن نأتي بصورة عديدة لوضعية المرأة المتقوقعة في إطار هذا المفهوم، منها التجاؤها إلى السحر والشعوذة في تصريف الأمور الصعبة التي تواجهها مثل العنوسة، أو عدم الإنجاب، أو محاولة تطويع الزوج لرغباتها، وغير ذلك من السلوكيات التي تسقطها أكثر في الشرك والجهل والتخلف. ب- مفهوم يعتبر الدين سلوكاً بين المرء وربه، وهذا المفهوم يتبنى الفكر الغربي الذي يفصل بين الدين والحياة، يتبناه ويعتبر التدين ظاهرة اجتماعية تفرض على المرأة (والرجل أيضاً) أن تمارس حياتها في معزل عن الدين وأحكامه، على أن ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وأن اتباع النموذج الغربي هو السبيل للخروج من واقع التخلف والجهل، وهي لا تجاهر بمروقها عن الدين وإنما تغلف ذلك باسم الحضارة والتقدم والتحرر، وبذلك تكرس الفهم السلبي للدين متناسية قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ )البقرة85، فتقع في ازدواجية الفكر والشخصية ولا تستطيع أن تحصن نفسها بثقافتها لتسقط في هوة التنكر للهوية الحضارية، ويخل هذا بتوازنها الذي قد يدخلها في دائرة الفسق المقابل للإيمان، كما في قوله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)، "السجدة: 18-20".