28 أكتوبر 2025
تسجيلمحاولة انتحار جماعية بطلها شاب أربعيني مع طفليه في منطقة الدوار السابع بعمان ينبغي أن لا تمر مرور الكرام، فالمواطن الاردني بشكل عام بات لا يطيق ذرعاً بالسياسات الاقتصادية والمالية التي تمارسها الحكومة الأردنية، وجاءت هذه المحاولة للانتحار في خضم حالة من الاحباط التي تشهدها البلاد نتيجة للسياسات الرسمية التي تنتهجها حكومة هاني الملقي والتي وصلت حد التوحش في جباية المواطنين الأردنيين الذين يترنحون تحت شدة وطأة فشل الحكومة في ادارة الملف الاقتصادي. فكثير من المواطنين بات غير قادر على توفير لقمة العيش الكريم وبخاصة مع استشراء الفساد وارتفاع المديونية وانعدام فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر. ليس صحيحا ما تروج له الحكومة الاردنية من خلال وسائل اعلامها بأن لا خيار أمام الحكومة سوى فرض المزيد من الضرائب، والحق أن الدولة يمكن لها ملاحقة الفاسدين واسترداد اموال الاردنيين كما أن بإمكانها معالجة ملف التهرب الضريبي الذي يتسيده حيتان عمان المرتبطين بعلاقات مريبة مع اصحاب القرار في الدولة الاردنية. ولا يعقل أن لا تقوم دولة تتفاخر بقوة بأجهزتها الأمنية والبيرقراطية بملاحقة وجلب الفاسدين وتقديمهم للقضاء ليقول كلمة الفصل بحقهم! كما لا يمكن لنا تصديق ما يقوم به الرسميون من نفض الغبار عن ملفات من يحاول الانتحار واتهامهم بالاكتئاب أو بأي نوع من الأمراض النفسية، فهذه حيلة لم تعد تنطلي حتى على المغفلين، وكيف عندئذ تفسير قيام السطو المسلح على بنكين في يومين متتاليين؟ هل هؤلاء أيضا مرضى نفسيين أم أن وصولهم إلى حالة بائسة – نتيجة للسياسات الرسمية – هو من دفعهم لعمل بائس والذي جاء على شكل سطو مسلح على مصرفين؟ وبهذا المعنى فإن المشكلة هي حقيقية وعلينا التوقف عن دس الرؤوس في الرمال، وحديث الملك قبل أيام قليلة في الجامعة الأردنية عن عدم رضاه عن أداء المسؤولين ينبغي أن يترجم إلى قرارات عليا ليس أقلها حل مجلس النواب واقالة الحكومة. ولا عجب عندما تطالب اصوات كثيرة تشكيل حكومة وطنية لتنفيذ هدفين محددين هما: استرداد أموال الاردنيين من الفاسدين ومعالجة التهرب الضريبي الذي يتجاوز المليار دينار سنويا. بعدها فقط يمكن للأردنيين تقبل فرض الضرائب التي باتت تشكل عبئا غير مسبوق يفوق اي دولة أخرى في العالم. والسؤال الاساسي هو بعد مرور كل هذه السنوات من تشكيل الحكومات بهذه الآلية ألم يحن الوقت للتفكير بآلية أخرى لتشكيل حكومة أقرب إلى المواطنين؟! ألا يستحق الاردنيين أن ينتخبوا حكوماتهم بعد فشل الحكومات المتعاقبة في الحفاظ – ناهيك عن رفع – مستوى معيشة السكان؟! طالب الملك من الناس ممارسة الضغط على مجلس النواب لمساعدته في تحقيق الاصلاحات المطلوبة. وهنا لن أدافع عن مجلس النواب، فسجله في الرقابة والتشريع سيء، وتزلف عدد كبير من السادة النواب للحكومة لا يحتاج إلى اثبات، غير أنني أجزم أن المجلس الحالي ومن سبقه جاء وفقا لرؤية رسمية حتى يكون أداة طيعة بيد السلطة التنفيذية، ولا يمكن فهم دوره إلا في سياق بحث السلطة عن جهة "تمثيلية" للشعب لتمرير التشريعات التي تطبخ في مكان آخر، فدور مجلس النواب لا يتجاوز المصادقة على قرارات سلطة تنفيذية لم ينتخبها أحد بالاردن. وعليه فإن وجود مجلس نواب قوي قادر على أداء دوره الوطني بكل اقتدار يحتاج إلى ارداة سياسية لم تتوفر بعد. وإلى ان يتم تمكين المواطن سياسيا واقتصاديا فإنني اخشى أن تأخذ محاولات الانتحار منحى حينها لن ينفع معه الندم.