14 سبتمبر 2025
تسجيللا يختلف اثنان في تونس عن أداء الحكومة التي تشكلت مع بداية سنة 2015 لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفي القلب منها موضوع خلق فرص عمل للعاطلين عن العمل، من أنه أداء فاشلٌ. وكنا قد تناولنا في مقالات سابقة العديد من مكامن هذا الفشل. وبالمقابل، لم تكن المعارضات على اختلاف مسمياتها أحسن حالا من أداء الائتلاف الرباعي الحاكم، ومع ذلك يشهد المشهد السياسي منذ العام الماضي ولغاية اليوم، ميلاد العديد من الجبهات السياسية "الهشة"، تطرح نفسها على أساس أن تكون قوة فاعلة، وتقدم حلولاً ومقترحات بعد أن أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية في خريف عام 2014، بروز قطبين في المشهد السياسي التونسي، وهما: حركتا "نداء تونس" و"النهضة" وثلاثة أحزاب أخرى: وهي الاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس، والجبهة الشعبية، شكلت لاحقا مع بعضها ائتلافا حاكما باستثناء الجبهة الشعبية، اجتمعت العديد من الأحزاب المهزومة في الانتخابات الرئاسية، التي ضمت في البداية الحزب الجمهوري، وحزب التكتل الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي، وحركة الشعب، والتيار الديمقراطي، وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، قبل أن ينسحب منها التيار الديمقراطي ومن بعده حركة الديمقراطيين الاجتماعيين، بهدف تكوين جبهة ديمقراطية اجتماعية، تكون قادرة على التموقع من جديد في المشهد السياسي. غير أن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح بسبب الانسحابات التي طالت هذه الجبهة الديمقراطية، والصراعات على الزعامة، إضافة إلى عدم التوحد في الرؤية السياسية.ومؤخرا، عقدت هذه المجموعة "الديمقراطية الاجتماعية" التي تضم عددًا من أحزاب وسط اليسار والديمقراطيين الاجتماعيين، اجتماعا في أحد فنادق العاصمة، وبعد المداولات والنقاش المستمر منذ أسابيع قررت المجموعة الالتحاق بمبادرة المترشح السابق للانتخابات الرئاسية "منذر الزنايدي" المتوقع الإعلان عنها رسميا يوم 28 فبراير الجاري. ويضم المشروع الجديد الذي يقوده الزنايدي مجموعة من الحساسيات الديمقراطية الاجتماعية ووسط اليسار والنقابيين والدساترة. وتعتبر المجموعة الاجتماعية أن المشروع السياسي الجديد يجب أن يكون منفتحا على كل من يؤمن بالحداثة والجمهورية والديمقراطية ودور الدولة الاجتماعي، وهو مشروع غير معني بالانتماءات السياسية السابقة، ولا يوجد أي إشكال مع أي انتماء سابق، ومن بين الذين التحقوا بهذا المشروع مع المجموعة الديمقراطية الاجتماعية قدماء الطلبة والشباب الدستوري، واعتبر أحد الناشطين في المجموعة الاجتماعية أن جميع المنخرطين في هذا المشروع قاموا بمراجعات لتجاربهم السياسية، ويرون أن الحل اليوم هو في ولادة مشروع ينخرط فيه طيف واسع من التونسيين، وقائم على مكاسب الاستقلال، وتجاوز تجربة دولة الاستقلال بمرحلتيها التي اتسمت بغياب الديمقراطية والحريات، ولا يمكن العودة إلى الوراء، ولابد من التأسيس على الطموحات والأحلام المتصلة بـ14 يناير 2011 الذي مثّل منعرجا حاسما في تاريخ تونس المعاصر. وفي ظل انعدام الثقة بين مكونات الشعب التونسي، وعشرات الأحزاب السياسية التي تشكلت، وجميعها تدعي أنها تمثله سياسيا، تشكلت مؤخرا "تنسيقية اللقاء الوطني"، وهو آخر مولود على الساحة السياسية لأحزاب المعارضة من خارج البرلمان، وضمت كلا من حزب الوحدة، وحزب السيادة للشعب، وحزب الخضر للتقدم، والحزب الشعبي التقدّمي، وانبنت على "مشروع طموح قادر على أن يكون بديلا لما تشھده الساحة السیاسیة من فراغ واضح" وفق ناطقها الرسمي الأمين العام للحزب الشعبي التقدمي هشام حسني. وإذا كان هشام حسني قد يبدو محقا في قوله لـصحيفة "الصباح" التونسية، "إن أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، غرقت في الحسابات السیاسوية، الأمر الذي جعلھا تحید عن بعض المسائل الحیوية المتعلقة بالشأن العام"، فإنه ليس من السهل أن تتحول هذه التنسيقية في وقت قياسي إلى قوة اقتراح وقوة ضغط على الحكومة كما يطمح إلى ذلك مؤسسوها، باعتبار أن تحقيق هذا الهدف يستدعي العمل في مختلف الاتجاهات من أجل تجميع مختلف القوى الحية والفاعلة، وهو ما يبدو على الأقل في الوقت الراهن أمرا صعبا أولا، ومستبعدا ثانيا، وشبه مستحيل ثالثا في ظل التشتت الذي تشهده الساحة السياسية.وفي 14 يناير 2016، تم الإعلان عن تشكيل جبھة "اتحاد القوى الوطنیة الديمقراطیة" التي ضمت 5 أحزاب لديها توجهات قومية ويسارية لا وزن لها، و لا تشكل أي ثقل في المشهد السياسي التونسي، لا من حيث شعبيتها ولا من حيث حضورها على الساحة بما أنها شبه غائبة، وھي: حزب العمل الوطني الديمقراطي، والحزب الاشتراكي، وحزب الغد، وحزب الثوابت، وحزب الطريق. واعتبر الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي عبد الرزاق الهمامي أن هذا الكيان السياسي سيظل "منفتحا على مختلف القوى السیاسية". والمتابع للشؤون السياسية التونسية، يرى أن هذه الجبهة لن تختلف كثيرا عن بقية الجبهات التي ترفع الشعارات نفسها، ولن يكون لها أي تأثير في المشهد السياسي بعيدا عن جبهة واسعة للقوى الوطنیة والتقدمیة من أحزاب وغیرھا من الشخصیات الوطنیة. ورغم التقلبات التي شهدتها الساحة السياسية على مدى السنة الماضية، فإننا نكاد لا نرى أثرا لهذه الجبهة سوى في تنسيق بعض التحركات الاحتجاجية التي كادت تقتصر بدورها على مناهضة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية.