18 سبتمبر 2025

تسجيل

الجماهير .. قوة ضاربة

05 فبراير 2015

الجماهير كما يفهم ذلك علماء الاجتماع، قوة ضاربة لو كانت على قلب رجل واحد أو بمعنى أدق تتحرك لتحقيق مشترك ما تجتمع الغالبية عليه ، والجماهير كما في نماذج الثورات في أي مكان بالعالم ، هي التي غالباً ما تقرر مستقبلها وتنقلب على حكوماتها إن رأوا منها الظلم والتعسف ، بشرط أن تجتمع على أهداف محددة لا تختلف فتضيع قوتها الكامنة وتتشرذم ويسهل القضاء عليها بالتالي . تتنبه السلطات الحاكمة في كثير من دول " المؤسسات " على وجه التحديد ، الى قوة الرأي العام أو الجماهير أو الشارع ، فتحاول التعامل الذكي أو السياسي معها قدر المستطاع سواء بالوعود الدبلوماسية الحلوة الراقية أو بتنفيذ بعض مطالب الشارع فعلياً وتتجنب في الوقت ذاته الخوض في مسائل من شأنها إثارة الرأي العام ضدها والتي قد تؤدي إلى سقوطها . هذا ما يحدث في العالم المتقدم . لكن ما يحدث في عوالم أخرى من تلك التي لا تعرف للعمل المؤسسي أي معنى أو لا تعترف بالمؤسسات أصلاً وإن اعترفت بها فهي شكلية .. في تلك الدول تجد السلطات على قناعة تامة ببأس الجماهير وقوتها ، ولكن بدلاً من تجنب الخوض في معارك معها ومحاولة كسب ودها ، تجدها وقد دخلت في تنافس مع شعوبها في القوة واستعراض العضلات . انظر إلى نماذج من تلك الدول حول العالم، ولاحظ بعض مظاهر استعراض القوة على سبيل المثال لا الحصر .. هناك تكثر الدعايات السياسية والإعلامية وأحياناً العسكرية والتي تمجد الحكومة ، وتقوم وسائل إعلامها بذلك الدور بشكل مكثف حتى ليعتقد الناس أنه لا حكومة إلا هذه ، وأن الحق كل الحق معها وبها وفيها ، وأن ذلك كله نتيجة تدبير وتخطيط وسياسة واستراتيجية وغيرها من تلك المصطلحات الثقيلة على المواطن البسيط .. وبالطبع في ظل تلك الاستعراضات العسكرية والسياسية والإعلامية يخفت صوت الشارع شيئاً فشيئاً ، ومن يدرك ألاعيب السياسة وألاعيب السلطات وهم قلة عادة ، لا يجدون من يسمع لهم أو يُتاح لهم المجال للنقد وتبيان الحقائق ، وتكثر في الوقت نفسه الضغوط عليهم حتى تضعفهم تدريجياً ، ليجدوا أنفسهم وقد قرروا الانزواء والاختفاء أو الاكتفاء برؤية الخطأ والسكوت عنه واتباع أضعف الإيمان تجاهه . لكن هذا الأمر تغير فعلياً ، ولو بصورة متواضعة نسبياً ، كما في ثورات الربيع العربي، وحتى لو أن مكاسبها ما زالت محدودة ، إلا أنها كسرت حاجز الخوف من السلطة مهما استعرضت عضلاتها .. والمسألة تبقى متعلقة بالزمن ، ومدى صبر واحتمال من كسروا حواجز الخوف على الاستمرار نحو تحقيق أهدافهم . ودروس الحياة والنجاح تفيد أن أولى خطوات تحقيق أي هدف ، هو كسر حاجز الخوف من البدء في التنفيذ.. وهكذا هي الحياة، وتلكم هي بعض دروسها لمن أراد أن يتفكّر ويتدبّر .