18 سبتمبر 2025
تسجيل* لا شك أن سمعة حماس ووجاهتها قد تجاوزت أي إمكانية لتشويهها أو الشائعة الجائرة عليها بعد ما استقر في وجدان الرأي العام العربي والعالمي من عدالة قضيتها وموضوعية طرحها ووسطية فكرها ثم من جدية التضحيات التي تقدمها والانتصارات التي تحصدها وبعد أن استرجعت ما سلبته هزائم جيوش الأمة المتكررة أمام العدو الصهيوني. * لم يكن متوقعا أن يمر بسهولة انتصارها في العدوان الأخير على غزة بعد أن قصفت تل أبيب ودمرت هيبة وردع العدو الصهيوني.. الجدير ذكره أن ذلك الانتصار لم يكن تدميرا فقط لهيبة جيش الاحتلال الذي قال رئيس وزرائه إنه سحب قواته لأنها كانت معرضة للقتل والجرح والأسر.. ولكنه كان فضيحة لنظم أخرى تعودت أن تنهزم أمامه وأن يُدمي جراحها على أعقابها لا على أقدامها في مواجهات مع أقل من عشر معشار قوة العدو التي هاجم بها غزة في الـ 51 يوما. * من هنا فما إن سكتت المدافع وتوقفت حرب العدو حتى بدأت حرب أخرى - كانت متوقعة - على حماس لسلب معنى انتصارها وتغيير العناوين السياسية التي تستثمر فيها المقاومة.. فبدأت حرب أعوان الاحتلال بتشديد الحصار على غزة ومحاولة تجريح سمعة المقاومة من قبل السلطة وفي دوائر الرأي العام الغربي لتقرير قاعدة سياسية أمنية إعلامية عمل عليها العدو دائما هي كسر فكر المقاومة وإقناع الرأي العام بأنها إن أنجزت انتصارا ميدانيا فإنها قادت لمعانيات على المستوى الإنساني وإلى انقسام وطني وإلى المزيد من الآلام والجراح.. بغاية نهائية هي كسر فكر المقاومة وكسر صمود الشعب الفلسطيني وإلجائه لخيار الاستسلام على طريقة المفاوضات الدهرية التي لا تنتهي كالتي تنخرط فيها السلطة ومنظمة فتح وحلفاء التسوية في المنطقة.* في هذا السياق يفهم القرار السياسي المصري باتهام كتائب القسام - الجناح العسكري لحماس - بالإرهاب عبر قرار قضائي ليس له من القضائية إلا نسبته لمحكمة الأمور المستعجلة التي أعلنت هي نفسها قبل أربعة أيام منه بعدم الاختصاص وفي هذا السياق أيضا تأتي محاولات تجريم حماس بعد تبرئتها في محكمة الاتحاد الأوروبي. * الانقلاب المصري يتوهم أنه بهذا القرار سيبرر المزيد من الحصار لغزة، ويقدم المزيد من الثمن لشراء الرضا الصهيوني، ويبرر الاستمرار في الخيار الأمني لسحق الثورة المصرية، ويهيئ الأسباب لاستعادة حالة الطوارئ التي ظلت مشرعة لثلاثين سنة في حكم المخلوع حسني مبارك.* السيسي بات يحس بعد تسعة عشر شهرا من الانقلاب بأن الشعب المصري والجيش المصري لم يعد ممكنا تسكيتهم أكثر من ذلك فضلا عن أن بعض المعادلات السياسية في المنطقة قد تنقلب ضد مشروعه الذي تحول من خريطة طريق إلا خراطة وتلفيق. * السيسي يخاف من الجيش المصري فهو يسعى لإدخاله في أيديولوجية صراع بعيدا عنه، ويحاول تنصيب عدو خارجي طمعا في جمع أكثرية وطنية معه. * لكن السيسي والذين حوله لم يعودوا يملكون هوامش كثيرة للمناورة بعد أن استنفذوا كل أرصدة الاستقرار المصري. - فقد استنفدوا رصيد الأزهر عندما جعلوه صدى للكنيسة وخلطوه بالانقلاب ولقنوه الفتاوى الدموية واستغلوه لترويج رواية الثورة المضادة. - واستنفدوا سمعة الجيش وقداسته في نظر المصريين عندما أنزلوه للشوارع ووجهوا سلاحه لصدور الشعب المسكين وأعلنوا أنه يحمي حدود إسرائيل.- واستنفدوا رصيد القضاء عندما جعلوه عصا للظلم وأدخلوه في الكيديات السياسية وحولوه لأداه إرهاب للخصوم السياسيين فأسقطوا كل معنى التقاضي.- واستنفدوا رصيد الوحدة الوطنية عندما قسموا الشعب لشعبين وجعلوا الدين دينين، وحالفوا طائفة سياسية قليلة جعلوها هي الوطن كله تقتل من تشاء وتنهب من ثمرات الوطن ما تريد. - واستنفدوا احترام المصريين لمؤسسة الرئاسة عندما فرضوا رئيسا بالانقلاب متلجلجا مشتتا تائها لا يحسن الكلام العادي ثم عندما سمحوا لأطراف خارجية أن تتحكم فيه.- واستنفدوا الرصيد المالي لمصر حتى لم يبق في البنك المركزي من الاحتياط المالي إلا مليار ونصف المليار دولار وهي لا تكفي لإعاشة التسعين مليون مصري لأكثر من عشرين ساعة فقط.* آخر القول: لقد استنفد الانقلاب المصري كل خططه للسيطرة الأمنية وتلهية الشعب المصري عن أزمته الحقيقية وواضح أنهم يخشون تحرك الجيش أو تحرك ثورة مسلحة عليهم وفي هذا السياق يفهم عجزهم عن إجراء تغييرات كبيرة في قيادات الجيش رغم فشل هذه القيادات المتكررة، ويفهم قرارهم تنصيب عدو خارجي عبر تجريم كتائب القسام المتبقي الأبرز من كرامة الأمة.. ونعود لسؤال البدء (إلى أين يأخذون مصر؟).