19 سبتمبر 2025
تسجيلبينما كان ينظر للعالم على أنه قرية صغيرة في زمن ما، لابد وإعادة النظر والتمعن في أن تلك القرية أصبحت مستعمرة لهيمنة كبيرة، فكون العالم بأكمله في قرية صغيرة لا يعني في حقيقة الأمر الجانب الإيجابي على قدر تضييق التأصيل المحلي والنظرة الوطنية الخاصة وتحولها إلى تعددية انفتاحية تحت مظلة المواطنة العالمية، ولا بأس في تقبل المفهوم العالمي للمواطنة بحكم شموليته لمشاكل بيئية وأمنية تؤثر على سكان العالم أجمع، ولكن من المفترض أن يكون هذا المفهوم محصوراً ومحدوداً في الاستخدام، لا يتجاوز النطاق العالمي من حيث الرسائل الموحدة للمؤسسات الدولية ولا يتعارض مع الطابع المحلي الاجتماعي، وهذا الأهم من وجهة نظري. فليس بغريب أن يكتسح المفهوم القرية الصغيرة ويتجاوزها من ناحية التقبل للسلوكيات العالمية المختلفة، التعاطف الثقافي واحترام التنوع، ولا ننسى أيضاً أن المواطنة العالمية تتشابه في الاستخدامات الاستهلاكية والتكنولوجية. ولكن، حتى يكون استخدام المفهوم محدوداً على النطاق العالمي والإنساني، عليه ألا يتجاوز الحدود المحلية الخاصة، فلربما يكون الاستخدام محصوراً على ممارسات معينة قد تمس القشرة المحلية، ولا يجب أن تدخل في النواة والأساس الثقافي أو الاجتماعي الوطني؛ هنا، يمكننا التحكم في مسألة العولمة في حصر التأثير وتوقيته. وهنا نطرح عدة تساؤلات إشكالية: هل على القرية الصغيرة تقبل الآخر بتجاوزاته الأخلاقية، وتدنيه الخلقي ولربما الديني والعقائدي؟ هل من المفترض أن تفرض علينا القرية الصغيرة المعايشة بحكم هيمنة المواطنة العالمية؟ وكيف ستظل الهوية الوطنية قائمة على الرغم من تأثيرات خارجية تتخلل في نشأة المجتمع، مسببة الفجوات الاجتماعية والنقلات العصرية بسبب تلك القرية الصغيرة؟.. كل تلك الأسئلة تعني بوضع الحدود لمفهوم المواطنة العالمية والذي يجب ألا يكون طاغياً على الوجود المحلي والموروث الثقافي، ولا أعني بالموروث الثقافي في هذه الحال بالشعبية وما تتصل بها من فولكلور وغيرها، إنما أقصد بأساليب الحياة والحدود الأخلاقية والحفاظ على كيان القيم الاجتماعية التي تتصارع في واقع الأمر مع أفرادها على الصعيد المحلي، فما بالكم أن يتجاوز التأثير النطاق العالمي، إذ ستتحول القيم الاجتماعية إلى قصص تسرد لأجيال قادمة تأثرت بالعالم قبل أي تأصيل محلي وكأنها أخلاقيات اجتماعية اندثرت في زمن ساد فيه المفهوم العالمي وطغى على مفهوم المواطنة المحلية- الثقافية الخاصة. وهذه جدلية بحد ذاتها: هل نواجه المواطنة العالمية بالتأثير السلبي؟ وكيف ومتى يتم تقبل لبس قبعة المواطنة العالمية؟! [email protected]