10 سبتمبر 2025

تسجيل

شهداء الحقيقة.. من يحميهم؟

05 يناير 2019

يجمع المختصون في قضايا أمن الصحفيين وحمايتهم في جميع دول العالم أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ قرارات ملزمة من قبل المجتمع الدولي تجّرم بشكل واضح التعرض لقتل الصحفيين وتصفيتهم ومنعهم من نقل الحقيقة إلى الجمهور. كما أجمع المدافعون عن حقوق الانسان وضحايا الحقيقة على وضع قوانين صارمة لمحاكمة قتلة الصحفيين وعدم إفلاتهم من العقاب.. تعيش المنظومة الإعلامية في جميع بقاع العالم ظاهرة انتشار الاعتداء على الصحفيين وقتلهم وتصفيتهم جسديا، ففي السنة الماضية وحدها لقي ما يزيد على 94 صحفيا حتفهم وهم يبحثون عن الحقيقة لتقديمها للجمهور، كما خلفت الأزمة السورية حتى الساعة قتل 221 صحفيا، كما أغتيل خلال الشهور الماضية ما يزيد على 35 إعلاميا.. لقد حان الوقت لتذكير الضمير الإنساني والمنظومة الدولية وأحرار العالم بضرورة توحيد الجهود من أجل التصدي لأعداء الحقيقة وبارونات الحروب والطغاة والمستبدين والدكتاتوريين الذين لا يطيقون كلمة الحق.. فالمطلوب هو تكاتف الجهود والتنسيق بين الصحفيين والجمعيات الصحفية والمنظمات الدولية لوضع تشريعات وقوانين لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات والحروب. الصحفيون والبحث عن الحقيقة والكشف عن الفساد والقضايا الحساسة معادلة صعبة وإشكالية معقدة تجمع بين متغير البحث عن الحقيقة والمعلومة وتقديمها للجمهور ومتغير صعوبة الوصول إلى هذه الحقيقة والأخطار والحواجز التي تعترض القائم بالاتصال الذي يدفع حياته في بعض الأحيان مقابل الوفاء بوعده لقارئه والوفاء لضميره المهني في تقديم المعلومة من عين المكان ومن المصدر نفسه. فمهنة الصحافة التي تسمى وتلقب بمهنة «المتاعب» تتحول في بعض الأحيان إلى أكثر من ذلك لتصبح مهنة المخاطرة بالحياة ومهنة الموت. فما هوذنب الصحفي الذي قرّر أن يكون شاهدا على التاريخ وأن ينقل الأحداث للرأي العام من مكان الواقعة والحادثة؟ فالمراسل الصحفي يعتبر من جنود الجبهة، جبهة الحقائق والمعلومات والأخبار. والمغامرة هنا والمخاطرة بالحياة ليس من أجل المال والشهرة ولكن من أجل مبدأ البحث عن الحقيقة والوفاء بالعهد للرأي العام وللجمهور. ظروف العمل والصعوبات والمشاكل المختلفة التي يتعرض لها المراسل الصحفي في عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن المعلومة وتقديمها للجمهور تعتبر مشكلة بالغة الخطورة نظرا لأهمية حياة الصحفي من جهة وأهمية المعلومة والخبر بالنسبة للرأي العام من جهة أخرى. ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين الصحفيين وتجارب الإعلاميين من جميع أنحاء العالم، فإن عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن الخبر لا تقدم دائما على طبق من فضة؛ والإحصائيات تقول إن عشرات الصحفيين يموتون سنويا بالرصاص والقتل والاغتيالات والعمليات الإرهابية والمضايقات المختلفة للأنظمة الدكتاتورية والمافيا السياسية والمالية والعسكرية …الخ وهذا سواء في دول الشمال أوالجنوب؛ حيث اشتهرت دول كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها مثل كولومبيا وأفغانستان وبوليفيا والبرازيل والمكسيك ومصر والجزائر والسودان وباكستان وإيران والبوسنة وكرواتيا وكوسوفووالشيشان وتيمور الشرقية وسيرا ليون والقائمة طويلة. فحسب تقارير «مراسلون بلا حدود» لقي 800 صحفي حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، وأن نصف دول العالم لا تحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أنه في العديد من دول العالم لا توجد بها قوانين تحمي المهنة والمهنيين من جبروت سلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها وأشكالها. في الكثير من دول العالم لا توجد قوانين وهيئات ومنظمات لحماية الصحفي الذي يجد نفسه في العديد من دول العالم أمام ميادين مملوءة بالألغام والمشاكل والعراقيل. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و»مراسلون بلا حدود» والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية تبعث على التشاؤم والخوف الكبير من المشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة هناك عشرات بل مئات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات، هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة.. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير لكن في معظم دول العالم «مافيا « المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي، أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم لها بدون مساءلة ولا استفسار. وأصبحت دول معروفة بديمقراطيتها وعراقتها في تقاليد حرية الصحافة وحرية الرأي والتفكير تضرب بهذه المبادئ عرض الحائط وتمارس الإرهاب الفكري على كل من يعترض سبيلها حتى وإن كانت على خطأ. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحا من المهام الصعبة في معظم دول العالم، والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهوأخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام، ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة وبارونات الحروب والأزمات. وإذا تمرد يكون مصيره التهديد أوالسجن أو بكل بساطة التصفية الجسدية. ضحايا مهنة الصحافة ماتوا وهم يركضون وراء الحقيقة، رفضوا صحافة الصالونات وفنادق الخمس نجوم وتحاليل وتعليقات الأبراج العاجية والحوارات المثالية البعيدة كل البعد عن الواقع، رفضوا تقديم الأخبار عن طريق التقمص الوجداني والخيال، وإنما أصروا على الفضول والمغامرة وأن يكونوا شهود عيان من ميدان العمليات.. مصرع الصحفيين في ميدان الحرب والصراعات والأزمات يكشف عن نظام عالمي مفلس، عالم تمزقه الصراعات والحروب، عالم منافق يدعي الحرية والديمقراطية والشفافية وتقديس حقوق الإنسان والحريات الفردية من جهة، ومن جهة أخرى يمارس كل آليات الضغط والرقابة والتحكم في الحقيقة وتفصيلها على مقاسه. فالحقيقة التي تحرج اللاعبين الكبار في العالم تُكمم ويتم طمسها وإخفاؤها، أما الذين يبحثون عنها لتقديمها للرأي العام فمصيرهم هو الاغتيال أو السجن أو التصفية الجسدية أمام مرأى ومسمع العالم بأسره. من يحمي رجال الحقيقة ورجال التأريخ للنزاعات والحروب والأزمات؟ متى ينهض الضمير الإنساني من سباته العميق ويناصر قانونيا وتشريعيا ويحمي ضحايا المجرمين وصناع الحروب والأزمات؟ أين هي المنظمات الدولية؟ أين هي منظمات حقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة؟