14 أكتوبر 2025
تسجيلمساء الجمعة الماضية تركنا الدوحة من وراء ظهورنا او هكذا تراءى لنا.. بدأ فراغ عريض يلوح في الأفق.. الشمس في هدوء تغادر لمستقر لها في جوف البحر الأزرق.. هذه دنيا جديدة هكذا علق رفيقي العيدروس في رحلة البر.. تركنا الطريق المعبد ونحن نستهدف خيمة صديق أديب قطري وهو الذي دعانا الى ليلة سمر تحت القمر.. توقفنا في اول مكان يشتعل ضوءا وفي ظننا اننا وصلنا الى مبتغانا.. هب أهل المجلس لاستقبالنا كل اختار طريقته في تحية الغرباء.. منهم من اكتفى بسلام سوداني يبدأ بالعناق وينتهي بضرب الكتوف.. وبعضهم توغل في بحور المودة ليضع بصمة على الخدود الجافة. سألنا عن مضيفنا فوجدنا الدرس الأول في ثنايا اجابة غامضة (هلا يا مرحب لقد وصلتم).. كان نظري يتنقل حائرا في بحثه عن الصديق الذي التقيته مرة واحدة انتهت بهذه الدعوة الودودة.. ثم يغرقنا القوم في كرم فياض ببعض من التمر وغير قليل من خبز القمح ثم قهوة عربية قليلة السكر ذات لون ذهبي.. حينما رأى حيرتي كبيرهم أخبرني انهم تعلموا في المجالس إكرام الضيف أولا ثم مساعدته ثانيا.. بعدها أشار إلينا الى الناحية الأخرى حيث يكون مقصدنا.. بذات الحرارة غادرنا المجلس الاول بدرس جديد عنوانه «إكرام الضيف أولا». انخنا «دابتنا».. على مدخل الخيمة البدوية كان يقف مضيفنا والابتسامة تعلو وجهه.. ذات الاستقبال الحميم يتكرر في المجلس العربي الذي يتسع لنحو عشرين فردا او يزيد.. كان المجلس عامرا بالتنوع ثريا بالاختلاف الحميم.. أحد الشعراء نثر قصيدة نبطية مليئة بالقيم العربية، ثم تولى الحديث شاب قطري حاصل على درجة الدكتوراه في المحاسبة لكنه يجيد التفصيل في مواضيع شتى.. توقفنا في محاضرة عن الخيول العربية قدمها ضيف قادم من الناحية البعيدة من البلد الطيب أهله، ثم احاديث عن السودان المترع بالموارد المحفوف بطيبة أهله، كل يحكي قصة في حياته بطلها سوداني. بعدها بسطت الموائد على الارض المكسوة بفرش انيق.. لحم ناقة مما تشتهون.. خروف مشوي يعلو أكوام الأرز.. المضيف يمتنع عن خوض الجولة الاولى ويكتفي بحراستنا، فيما الأبناء الذين كانوا يزينون حواف المجلس في صمت يقومون على خدمتنا، أجزم انني كسبت وزنا اضافيا في هذه الليلة بسبب الالحاح الحميم والمائدة المترعة بالطيبات.. ثم نعود الى مجلسنا الاول الذي توسطته نار حطب ملتهب اتقاء البرد.. عادت كؤوس الشاي لتأخذ مجراها هذه المرة مزدانة ببعض الحلويات الشرقية. في وقت متأخر انتهت ليلتنا وتركنا الأصدقاء في سمرهم.. ودعنا القوم بذات الالفة.. صاحب الخيمة يخبرنا ان هذه دارنا وبإمكاننا ان نزورها في اي مساء.. في جوف السيارة بدأت تكتمل الصورة في ذهني.. بدأت تكتمل الصورة في ذهني.. رفيقي المتخصص في العلوم السياسية شرع يحدثني عن هذه المجالس القطرية، ليست حكرا على خيام البر، في معظم البيوت هنالك مجلس يفتح على الشارع مباشرة، لا تحتاج ان تعرف نفسك حتى تجد متكئا.. بالإمكان ان تجد مظلوما يرفع مظلمته لولي الأمر دون حواجز، أو عابر سبيل يبتغي خدمة أو يبحث عن معلومة. الآن اكتملت الصورة تماما.. استرجعت صورة الأمير الشاب الشيخ تميم وهو يلتحم مع شعبه يوم الاحتفال باليوم الوطني.. يتجاوز الأمير قواعد البروتكول وهواجس الأمن وهو يذوب بين أهله.. فيما يكتفي الأمير الوالد بتصوير الذكريات بكاميرا حرص على أن تكون بين يديه.. انها ديمقراطية الخيمة العربية.. في هذه المجالس المفتوحة تتم الشورى ويتحقق الاجماع.. تجربة فريدة تستحق الاشهار.