12 سبتمبر 2025
تسجيليعد "فن النهمة البحرية" من الفنون القطرية الأصيلة التي اندثرت مع جيل الغوص على اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط في قطر، ذلك الجيل الذي لا يعوض بما كان يمتلك من مقومات التكاتف والعمل الجاد، وحياة كريمة قوامها عزة النفس والصبر على النوائب في احلك الظروف المعيشية التي عاشها الآباء والاجداد في غياهب البحر ومتاهاته، بحثا عن لقمة العيش والرزق الحلال الذي كانوا ينشدونه دائما في حياتهم في ذلك الزمان.والعمل على ظهر سفينة الغوص لم يكن بالعمل السهل ابدا، بل كانت تواجههم العديد من التحديات والصعوبات التي صبروا عليها بحثا عن اللآلئ والدانات في قاع البحر على الهيرات (مغاصات اللؤلؤ)، حيث كانت سفن اهل قطر تمخر عباب البحر في موسم الغوص بحثا عن المحار وجنى اللؤلؤ.وعلى ظهر السفن الشراعية كان كل نوخذا لديه الكثير من البحارة: من الغاصة والسيوب، بجانب وجود مطرب او منشد السفينة الذي يعرف باسم (النهام)، والكلمة عربية فصيحة، حيث كان النهام يخفف عن البحارة اعباء السفر وعناء سفرهم فيتغنى بالوطن والحنين الى الديار وتذكر المحبوب، وغيرها من الاغراض الشعرية التي كان يتضمنها الموال الذي يردده هذا النهام بصورة فريدة من نوعها، بهدف تحميس من يعمل في السفينة دون كلل او ملل.وقد اعجبت بالخطوة الرائدة التي اقدم عليها الاخوة القائمين على مؤسسة الحي الثقافي لإحياء (فن النهمة البحرية) لكون هذا الفن من الفنون التراثية الجميلة التي اندثرت في عصرنا الحالي ولم تعد تهتم بها اي مؤسسة في الدولة اليوم، وهو ما يجعلنا نشد على ايدي اصحاب هذه الخطوة الوطنية الرائعة للحفاظ على هذا التراث واهازيجه واشعاره، التي اهملت وحان الوقت لتوثيقها وتشجيع جيل اليوم على إحياء (فن النهمة) كمهنة بحرية غابت عن الساحة التراثية وماتت بموت حياة الغوص على اللؤلؤ.مطلوب ايضا تحديد المفاهيم والمصطلحات البحرية كتراث قطري اصيل يجب العناية به واحياؤه لأبنائنا في المدارس والجامعات، بمشاركة مجموعة من الممارسين والباحثين والأكاديميين في مجال التراث، لنقل ثقافتنا البحرية بالصورة التي تشرفنا جميعا وتشرف هذا الوطن، وهذا الامر لن يتحقق الا بتكاتف الجهود الثقافية حفاظا على الموروث الشعبي وهويتنا الثقافية التي تحتاج الى بعض المخلصين، وهذا هو العشم بالحي الثقافي (كتارا) وبالنوخذا وربان السفينة الدكتور خالد بن ابراهيم السليطي وبحارته على ظهر سفينته.فما اجمل ان نتذكر بهذه المناسبة بعض المواويل السباعية الجميلة التي كان النهام يرددها على ظهر السفينة القطرية قبل مئات السنين، وخذوا منها هذا الموال الشهير لشاعر قطر الفذ محمد بن عبدالوهاب الفيحاني (1907 — 1939):حمام يالّلي على روس الغرايس لَعـَــــنفَتّ المراير ومِنْه كْبودْ وَجْدي لعـــــــــنأطولْت ليلي بطاري صاحبٍ ما لعــــــــنوصْله، ولو طال هجرانه ولامه لِــــوَىعنّي، وغصن المودّه في ضميري لوىما آلوم من بالجفا عقب الموّده لــــــوىمن حرّ وجده على سبّ الغرام ولعـــــنوقول شاعر آخر:لو با اشتكي ما بقلبي للنجوم انزلــــــتسبع السمَوات من جور الزمان انزلــتوصعود لجبال من عقب الرفاع انزلـــتوالحرّ حوّام برّه لي طرى نازلــــــــــــهيسكن بروس العلا، ما يسكن بنازلــــهيا الله يا اللي علينا رحمتك نازلـــــــــــهتفرج همومٍ بقلبي في حشاي انزلــــــتوقول شاعر ثالث:فرّيت لولب مغاليق الضمير أمـــــرارصافي ودادي لكم عِزٍّ عن الأمـــــراريا عضد يمناي فرقاكم عليّ أمـــــرارآحنّ حَنِّ الفطيم، وابكي خفا عقبكـميا راس مالي ويا ذخري علي عقبكمانتو طوايل جناحي، شاارتجي عقبكموالحرّ لي حتّ ريشه، يستزيد أمـرار* كلمة أخيرة:هذه المبادرة يجب ان تتبعها خطوات اخرى مصاحبة لفن النهمة البحرية في قطر، وتتطلب العمل على توثيق هذه المهنة وأبرز رجالاتها وشعراء الموال الشعبي في قطر وأعلام هذا الفن بشكل عام، وهو ما نتمنى عمله في المستقبل.