31 أكتوبر 2025

تسجيل

تنازل حركة النهضة عن الحكم اضطراري

05 يناير 2014

الانحراف الرابع: إطلاق العنان لموجة الإرهاب التكفيري التي يقودها تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي باتت تشكل خطورة حقيقية على تماسك الدولة التونسية، وعلى الوحدة الوطنية. فكان اغتيال الشهيد القائد اليساري شكري بلعيد يوم 6 فبراير 2013، واغتيال الشهيد النائب القومي في المجلس التأسيس محمد البراهمي يوم 25 يوليو 2013. وكانت هناك اغتيالات مُبرمج لها، أما الميليشيات المرتبطة بحركة النهضة، وهي "رابطات حماية الثورة "، فكانت تهاجم مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل، وتتدخل، وتعتدي على اجتماعات أحزاب المعارضة اليسارية والليبرالية، لمنعها من الانعقاد في مختلف المدن التونسية. وكانت المساجد (تشكل) منابر دعوة إلى العنف والنهضة كانت تستأسد وتتكلم عن الصفر فاصلة عندما تتحدث عن المعارضة وتتكلم عن الشرعية.وفي ظل هذا الوضع بلغ السيل العذل، فاعتبر التونسيون أن أمنهم غير مكفول، وأن الظاهرة الإرهابية تتطور في تونس بمباركة محلية، وأن الاغتيالات السياسية تدبر.. من أجل تصفية المعارضة الديمقراطية في البلاد، والعمل على إرساء ديكتاتورية جديدة. آنذاك بدأت حركة المقاومة للمجتمع المدني تتجذر في مناهضتها لحكم الإسلاميين: الترويكا أو الائتلاف الثلاثي الحاكم... فتشكلت في وجه حكم الإسلاميين معارضة متعددة، بدأت من حزب "نداء تونس" وهو حزب ليبرالي حديث العهد ليس له أكثر من سنة... وهناك الحزب الجمهوري الذي تحول من تبني الاشتراكية الديمقراطية إلى اعتناق الليبرالية، وكان المنافس الرئيسي لحركة النهضة قبل الانتخابات ولكن خسارة الانتخابات أضعفته ولكنه يعتبر من الأحزاب المعارضة المهمة، وهناك الجبهة الشعبية التي تشكلت في 7 أكتوبر 2012، وهو تجمع لزهاء أربعة عشر حزبا من أقصى اليسار ومن القوميين... وهؤلاء اكتسبوا من خلال التعبئة الاجتماعية والسياسية وزنا كبيراً في الساحة السياسية. وتمثل الجبهة الشعبية الآن القوة الثالثة في البلاد، بعد نداء تونس والنهضة، وبشكل عام هي باستمرار وبشكل مستقر القوة الثالثة... وهناك حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وهو سليل الحزب الشيوعي سابقاً. هذه تمثل أهم الحركات المعارضة وهي موحدة في ما يسمى بجبهة الإنقاذ الوطني، التي تأسست الصيف الماضي إثر اغتيال محمد البراهمي، لكن اتفاقها السياسي محدود، نجحت في التعبئة من أجل فرض الاستقالة (استقالة الحكومة) والالتزام بالاستقالة والقبول بالحوار الوطني وفقاً لخريطة الطريق التي أعدها الرباعي... لكن في طرح الخروج من الأزمة اختلفت الآراء وهذا أحد الأسباب الذي جعل الحوار لا ينتهي إلى الهدف المرجو. يجمع المحللون الملمون بالشأن التونسي أن بداية التراجع لحركة النهضة بدأت مع بداية مسلسل الاغتيالات السياسية لرموز المعارضة الديمقراطية التونسية المناهضين لهيمنة الإسلام السياسي على الحكم في تونس، حيث فجرت عمليات الاغتيال السياسي الطاقات المكبوتة للشعب التونسي، عبر اندلاع مظاهرات عارمة في مختلف المدن التونسية، شكلت الشرعية الشعبية الجديدة، التي باتت تتفوق على الشرعية الانتخابية التي أفرزتها صناديق الاقتراع.. تلك الاحتجاجات دفعت رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي إلى الطلب من حزب "النهضة" الحاكم الذي ينتمي إليه السماح له بتشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، لكن الحزب رفض، ما أدى إلى استقالة الجبالي في مارس 2013 من رئاسة الحكومة ليكتفي فقط بمنصب أمين عام النهضة التي اختارت علي العريض بدلا منه لرئاسة الحكومة الحالية. رغم أن قوى المعارضة اليسارية والليبرالية كانت تريد أن يتمخض عن جلسات الحوار الوطني توافق وطني حول شخصية رئيس حكومة يكون كفئا ومستقلا في ذات الوقت ويحظى بنفس القدر من الثقة من الجانبين، الحكم والمعارضة، حتى يحقق برنامج إنهاء المرحلة الانتقالية، فإن هذا الحوار الطويل انتهى يوم 14 ديسمبر الماضي إلى فرض وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كرئيس للحكومة المقبلة، في اللحظات الأخيرة للحوار الوطني، لاسيَّما أن جمعة محسوب، منذ سنوات، على قربه من ؟؟؟؟؟؟؟ خصوصا لما كان طالبا بالجامعة وأنه مازال «يتحلى» بالصفات نفسها رغم عدم الإعلان عن ذلك علنا، معتبرين أنه لو لم يكن. رغم عدم رضا المعارضة على ذلك واعتبار ما حصل بأنه يشكل انقلاباً على آلية التوافق الذي كان مطروحا، فثمة نتيجة حاصلة، هذه النتيجة هي أنّ حكومة السيّد علي العريّض سترحل في كل الحالات، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي وشيء مهم، وهو مطلب رئيسي. حركة النهضة التي خرجت من الحكومة، لم يكن خروجها عن طواعية، بل جاء على طريقة "مكره أخاك لا بطل". فهو من جهة جاء تحت ضغوطات من المعارضة وتحولت إلى ضغط شعبي (اعتصام الرحيل- مسيرات أوت 2013..)، والدور المهم الذي لعبته المعارضة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وبروز الخطر الإرهابي الذي يمارسه تنظيم "أنصار الشريعة" المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وبتنظيمات "أنصار الشريعة" في كل من ليبيا واليمن ومصر، والذي بات يطالب علانية بتطبيق الشريعة الإسلامية كدستور لتونس، وتفاقم الظاهرة الإرهابية في تونس، التي هزت أمن واستقرار البلاد مجددا وبالتالي قادت إلى إضعاف الحكومة أكثر. وفضلا عن ذلك، أدت الاشتباكات المسلحة بين المجموعات المنتمية لتنظيم "أنصار الشريعة" وبين رجال الشرطة في مايو 2013 إلى عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش وأجهزة الأمن.كما ترافق مع الأداء الاقتصادي المترهل للحكومة الهلع الذي ساد في أوساط الطبقة التونسية المثقفة والأقليات بسبب تعاظم نفوذ المتطرفين الإسلاميين دون قدرة الحكومة على ضبطهم، إذ جاء اغتيال قيادي معارض آخر هو محمد براهمي في يوليو 2013 ليدق المسمار الحاسم في نعش حكومة النهضة، حيث سار مئات آلاف التونسيين في الشوارع مطالبين برحيلها. وما وجه الضربة القاضية لأي قدرة على حركة النهضة للمناورة السياسية في الداخل هو الصفعة القوية التي تلقتها عند سقوط عرش إخوانهم في مصر في الفترة نفسها، وكي لا يقعوا في الخطأ نفسه الذي وقعوا فيه في مصر قرروا في 14 أكتوبر 2013 القبول بتسليم السلطة في تونس إلى حكومة مؤقتة من سياسيين مستقلين تصرف أعمال البلاد وتنظم إجراء انتخابات ديمقراطية في العام المقبل 2014.