15 سبتمبر 2025
تسجيلهل كانت الحكومة القطرية تنظر لهدفها ما وراء الأفق عندما تقدمت لتنظيم واستضافة كأس العالم 2022 ؟، الشواهد الماثلة تؤكد أن قطر كانت على درجة عالية من الاحترافية وهي تقذف بالكرة فوق حائط الصد نحو منطقة الظل من المرمى فأحرزت الهدف على طريقة اللاعب البرازيلي الموهوب روبرتو كارلوس. جاءت مبادرة قطر لتنظيم مونديال 2022 في وقت كان فيه المواطن الغربي تحت قبضة الآلة الإعلامية الغربية التي سعت بقوة لترسيخ صورتها النمطية للعرب والمسلمين في الوجدان الجمعي الغربي.. لم يكن ذلك الأمر وليد سنوات بل تمتد جذوره إلى مطلع القرن التاسع عشر، وتبدي تلك الصورة العرب والمسلمين على درجة من التخلف، ساهم في ترسيخ تلك الصورة استغلال الإعلام الغربي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إضافة لممارسات القتل الجماعي التي قامت بها الجماعات الإرهابية، وظلت تلك الصورة للعرب والمسلمين متمترسة في العقل الباطن لمواطني تلك المجتمعات، واللافت أن ذات الآلة الإعلامية واصلت نشر سمومها حتى لحظات انطلاق مونديال قطر 2022 فتحدثت عن تدني فرص نجاح المونديال وكأني بها تقول لعشاق المستديرة أن ابقوا بدولكم ولا تذهبوا إلى الدوحة. ورغم ارتفاع حمى المحاذير تدفق مئات الآلاف من أبناء الغرب وعشاق الكرة في أضخم رحلة جماعية لبلاد العرب.. جاء بعضهم تدفعه المغامرة.. والغربيون يعشقون المغامرات.. جاؤوا من شرق أوروبا من بولندا وصربيا وكرواتيا...جاؤوا من تخوم بحر البلطيق ومن شط بحر الشمال.. من الدنمارك وهولندا ليعيشوا لحظات من المغامرة على طريقة أجدادهم الذين ركبوا البحر فتجاوزوا إندونيسيا حتى بلغوا أقصى الشرق، وجاء أشقاؤهم من بلجيكا وسويسرا وألمانيا وإنجلترا وويلز.. جاؤوا من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وجاؤوا من وراء المحيط.. من الولايات المتحدة وكندا من البرازيل والأرجنتين والأورغواي.. من أستراليا واليابان ومن كل فج عميق. وصلوا دوحة العرب.. عبر كافة خطوط الطيران.. استقبلتهم حاضرة الإنسانية كعادتها في احتضان زوارها.. التقتهم بمحبة ودفء غير معهود في المجتمعات الغربية. كانت دهشة الحضور ممتدة وهم يتنقلون عبر المترو إلى مواقع سكناهم في وسط المدينة وفي أطرافها وشواطئها وكان مصدر الدهشة هو حرارة الاستقبال وكلمات الترحيب والمشاعر الفياضة التي وجدوها مرتسمة على وجوه مضيفيهم المضيئة وإن عجز البعض عن ترجمة ذلك الترحيب إلى جملة من المفردات اللغوية، ولكن روعة الاستقبال وموسيقى أغنية المونديال كانت تنساب فلامست شغاف قلوبهم فلم يكونوا في حاجة لترجمان. تركزت أوجه الدهشة في وجوه مئات الآلاف من الأوروبيين وعموم الغربيين لدى وصولهم قطر في محورين رئيسيين هما الإنساني والمادي. في المحور الإنساني كانت الصورة النمطية للإنسان العربي في عقل المواطن الغربي كما أشرنا في صدر المقال، وكما أشار لها الداعية الأمريكي المسلم يوسف إستس، وغيره، تجسد العربي والمسلم كإنسان متخلف يأبى التطور ولا يجيد سوى إرسال لحيته والاهتمام ببعيره الذي يمكنه من اجتياز كثبان الصحراء، وكيف أنه يرفض مواكبة الحداثة ويرفض التحرر من تخلفه. هكذا كانت الصورة رغم جهود بعض الجهات إبراز الصورة الحقيقية للعرب والمسلمين إلا أن نتائج مخرجات تلك الجهود تبقى محدودة أمام ضجيج ومخرجات ماكينات الإعلام الغربي. لمس ضيوف قطر عند مضيفيهم تجسيداً حياً لشعار المونديال الذي يقول: يا حي من جانا ويا زينه من جيه بنمدلك يا ضيف فنجانا ع الكيف بيوتنا بيتك جيت بشتا أو صيف يا دوحة الناس يا حب وإحساس يا دوحة الناس بلا حد وقياسشعر الوافدون بصدق تلك المشاعر وهم يتلمسونها من أبناء قطر والمقيمين في غدوهم ورواحهم.. في مواقع سكناهم وفي وسائل النقل فتحرروا من قيد الخوف الذي بذرته أدوات إعلامهم. ركل زوار الدوحة الخوف فتراهم وقد تفرقوا في أنحاء المدينة.. فرّوا في الطرقات جماعات وفرادى فشكلوا إضافة ديمغرافية جميلة للمدينة، إذ تجدهم في الكورنيش.. في حديقة البدع.. وحدائق أسباير ودحل الحمام تجدهم وقوفاً وجلوساً في سوق واقف يتناولون الطعام القطري من هريسة وعصيدة ومضروبة وخنفروش وغيرها، ساعد على ذلك إحساسهم بالطمأنينة والأمن وهو إحساس باتوا يفتقدونه في معظم مدنهم في أوروبا وأمريكا. واللافت في الأمر هذا الإقبال الكبير على ارتداء الغترة ومن فوقها العقال.. إن ارتداء أهم مقومات الزي القطري لا نفاق فيه ولا مراء وإنما هو تجسيد لمحبة أهل البلاد واعتراف بقيمها وموروثها السمح. على المستوى المادي فقد كانت مشروعات البنى التحتية من مترو وفنادق برية وعائمة وطرق وجسور علوية وحدائق غناء ونظافة كانت كلها محل تعجب ضيوف المونديال، صحيح أنهم كانوا يدركون أن ثمة تحولاً ونهضة عمرانية قد طالت مدن الصحراء إثر ارتفاع عائدات النفط والغاز ولكنهم لم يتوقعوا مدناً تضاهي أجمل مدنهم حداثة وجمالاً فزاد استخفافهم وسخطهم على الآلة الإعلامية الغربية، كما رسمت المساحات الخضراء بالمدينة خطوط الدهشة بينهم، ذلك أنهم كانوا يتوقعون مدينة من أسمنت مجرد. مخطئ من يعتقد أن مولد مونديال قطر سينتهي بانتهاء صافرة حكم مباراة الكأس، إذ تؤكد قرائن الأحوال أن مخرجات مونديال قطر ستحدث انقلاباً عالمياً هائلاً ليس فقط بسبب تغير الصورة النمطية للعرب والمسلمين والتي سيعكسها مئات الآلاف من الذين جاؤوا لأرض المونديال، صحيح أن هؤلاء سيكشفون زيف وكذب الإعلام الغربي، ستحدث آثار المونديال الكثير من التحولات على مستوى الشعوب أبرزها التحرر من سطوة الإعلام الكذوب وسيطال الأمر الحكومات التي ستضطرها شعوبها إلى معالجة الكثير من المواقف المتعلقة بالمنطقة، سيمتد أثر المونديال وستكون له تداعيات عظيمة على عديد الملفات. تحية لقطر حكومةً وشعباً على توجهها في إحداث هذا الانقلاب الكبير للصورة النمطية للعرب والمسلمين.