13 سبتمبر 2025
تسجيلفعلتها منظمة الأوبك أخيراً، وفاجأت الأسواق والمستهلكين بما لم يتوقعوه أبداً، عندما وافقت في منتصف الأسبوع الماضي على خفض الإنتاج بنسبة 3%. وكانت المنظمة قد تخلت عن سياسة خفض الإنتاج في عام 1986، واتبعت سياسة التمسك بحصة ثابتة من السوق العالمية في مواجهة منافسة حادة من منتجين آخرين من خارجها. وكان من شأن التمسك بسياسة الحصص الثابتة، أن ظلت أسعار النفط منخفضة دون العشرين دولاراً للبرميل حتى بداية القرن الحادي والعشرين، ولكنها ساهمت في إحداث زيادة ملحوظة في الطلب على النفط، فأعقب ذلك الارتفاع الكبير في الأسعار حتى عام 2015، قبل أن تؤدي الأسعار المرتفعة بدورها إلى زيادة في المعروض وإلى سقوط السعر إلى 22.48 دولار في يناير الماضي. وحتى منتصف الأسبوع الماضي كان التفاوض بين أعضاء الأوبك يدور على مجرد السعي للحصول على التزام بتثبيت الإنتاج، في ظل سعي دول معينة ومنها إيران ونيجيريا وليبيا على زيادة إنتاجها لمستويات سابقة كانت لديها. ولم تكن تلك جهود التثبيت مجدية، إذ هي بالكاد قد ساعدت سعر نفط الأوبك إلى الارتفاع إلى ما بين 40-48 دولاراً للبرميل.فإلى أي حد يمكن أن ترتفع أسعار النفط في ظل العودة لسياسة خفض الإنتاج من جديد، وما هي التوقعات والعوامل المؤثرة على الأسعار في المرحلة المقبلة؟بداية، أشير إلى أن تطبيق قرار خفض إنتاج دول الأوبك بنسبة 3% لن يتم إلا في شهر يناير القادم، ومن ثم فإن التأكد من مدى التزام المنتجين من داخل الأوبك بالتنفيذ، ومدى مساندة روسيا والمنتجين الآخرين لهم، لن يتم قبل منتصف فبراير القادم، عندما تصدر البيانات عن وضع سوق النفط العالمية من حيث كميات المعروض ومستويات الفائض. وبالتالي فإن الارتفاع الحاد في أسعار النفط بنسبة 14% في الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الماضي، وتجاوزها للخمسين دولاراً لبعض أنواع النفط، قد كان محصلة لتحول هام في اتجاهات المضاربين في البورصات العالمية وإقدامهم على تغطية سريعة لما لديهم من عقود آجلة بائعة للنفط، وتحولهم إلى عقود شراء آجلة. وقد تواصل الأسعار ارتفاعها هذا الأسبوع على ضوء ما قد تعلنه دول أخرى خارج الأوبك من قرارات مماثلة بخفض إنتاجها. ولذلك فإن المجال مفتوح الآن لكي يتحرك سعر نفط الأوبك إلى ما بين 50-55 دولارا للبرميل، مع إمكانية اقتراب السعر إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل. وبمرور الوقت تبدأ عوامل جديدة في التبلور ويكون لها تأثير معاكس على مستويات الأسعار ومن ذلك:1-إن الأسعار المرتفعة فوق الخمسين دولارا، وبدرجة أوضح فوق مستوى 55 دولاراً للبرميل، ستفتح المجال أمام منتجي النفط الصخري الذين توقفوا عن الإنتاج في العامين الماضيين إلى العودة سريعاً إلى العمل، ومن ثم يعود الفائض إلى الارتفاع من جديد، ويضغط على الأسعار.2- إن مدى التزام المنتجين من دول الأوبك وخارجها بقرارات خفض الإنتاج ستكون على المحك في شهر فبراير، عندما يتم نشر بيانات المعروض العالمي من النفط من جانب وكالة الطاقة الدولية، وسكرتارية الأوبك. وبقدر ما يكون هناك التزامات منضبطة بالقرار بقدر ما تستقر الأسعار وتتماسك.3- إن القرار قد استثنى دولاً من خفض إنتاجها كإيران، وبالتالي فإن مستويات إنتاج هذه الدول عامل مهم في التأثير على الأسعار، بحيث إن أي زيادة ملموسة فيها قد تكون عاملاً سلبياً يعمل باتجاه خفض الأسعار.ورغم أن البيانات عن العوامل الثلاثة المشار إليها أعلاه قد لا تكون متاحة قبل منتصف فبراير القادم على الأقل، إلا أن بيانات المخزونات النفطية الأمريكية التي تصدر أسبوعياً عن وضع الطاقة في الولايات المتحدة، يمكن أن تُعطي مؤشرات عما يجري في السوق العالمية من تطورات. وهذه البيانات والتطورات قد تدفع المتعاملين في البورصات العالمية إما إلى بناء مراكز جديدة مشترية للنفط الآجل، فيتعزز استقرار الأسعار، أو أن يحدث العكس إذا ما تم جني الأرباح عند المستويات المرتفعة التي تصل إليها الأسعار، ويبدأ بناء مراكز آجلة بائعة للنفط عند المستويات المرتفعة فتنخفض الأسعار مجدداً.يظل بعد ذلك عامل مهم وهو أن نشوة الانتصار في معركة الأسعار، وعودة الأوبك لتكون رقماً مهماً في تحديد أسعار الطاقة، قد يدفع الدول الأعضاء إلى التمسك أكثر بالقرار، وهو ما قد يساعد بالتالي على تماسك الأسعار لفترة أطول.