19 سبتمبر 2025

تسجيل

إن منكم منفرين

04 ديسمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تأملت في بدايات النجاح والفشل عند الناجحين والفاشلين، فوجدتها لصيقة الصلة بمن تولى توجيههم في سني عمرهم الأولى. ووجدت أن المبشرين في حياة أمتنا المنكوبة قلائل، وأن المنفرين كثر، وأن قلة من الموفقين هم الذين أثروا في حياة من حولهم، وزرعوا فيهم الثقة والأمل، وأخذوا بأيديهم إلى سبيل النجاح، وعبروا بهم بر الأمان، وصنعوا من الفسيخ شربات كما يقال في المثل الدارج.كما وجدت ضحايا المنفرين، يملأون الساحات، ويتصدرون الواجهات، وكأنهم نسخة ممن صنعوهم، وصورة ممن أشرفوا على تشكيلهم، يسيرون على نفس الوتيرة، ينشرون العقد، ويضيقون الواسع، ويصعبون السهل.ولم يعلموا أن مبنى الشريعة على رفع الحرج، ودفع العنت، حتى قال الإمام الشاطبي: إن الأدلة على رفع الحرج في الشريعة بلغت مبلغ القطع.كما أن التوجيه النبوي الذي قامت عليه جل الأحكام الشرعية هو: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".وجدت المنفرين في ساحات عديدة، ومنابر مختلفة، وجدتهم في المؤسسات العامة والخاصة، والمستشفيات، والجامعات، والمدارس، والمساجد، حتى في أماكن الترفيه واللهو المباح. ولا فرق عندي بين طبيب منفر، وواعظ منفر، فكلاهما غير موفق، يدير تخصصه على نحو خاطئ، ويؤثر سلبا في محيط عطائه.كم من مريض ساءت حالته الصحية، بسبب عبارة طبيب فاشل، قالها له بعد أن وقف على حالته، من نحو: "أيامك في الدنيا معدودة"، أو "قليل ممن أصيبوا بمثل مرضك نجوا".لم يفقه أثر كلماته السلبية المزلزلة على نفسية مريض، متشبث بالأمل في الشفاء، مجبول على حب العافية، ينتظر كلمة تخفف عنه ما هو فيه، فعانى بعد ذلك آلاما إلى آلامه، وقاسى أوهاما إلى أوهامه. كان مما قاله عبد الرحمن بن عوف لأبي بكر الصديق، وهو يعوده في مرضه الذي مات فيه: "أراك بارئا بإذن الله، يا خليفة رسول الله". يقول هذا في الحالة التي رد عليه الصديق بقوله: "أما إني مع ذلك لشديد الوجع"، وكما قيل في المثل الدارج: "الملافظ سعد". وحكى الإمام أبو الفرج بن الجوزي أن أبا الحسين بن برهان: عاد رجلاً مريضاً، فقال له: ما علتك؟! قال: وجع الركبتين، فقال: والله لقد قال جرير بيتاً، ذهب مني صدره، وبقي عجزه وهو قوله: وليس لداء الركبتين طبيب. فقال المريض: لا بشرك الله بالخير، ليتك ذكرت صدره ونسيت عجزه.وفي مثل هذا الطبيب المنفر، والإمام المنفر قليل الفقه كان التوجيه النبوي الذي جاء في رواية البخاري عن أبي مسعود أن رجلا، قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز- فليخفف - فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة".وكم من طالب غادر قاعات الدرس، وترك مكانه، واختصر طريقا نحو العمل الحرفي، وحرم من مواصلة السير في طريق التعلم، بسبب معلم، ساءت توجيهاته، وأحاطه بعبارات الفشل، فأحبطه، وأفقده سيره، وأعجزه عن مواصلة الطريق، دون أن يقف منه موقف المربي الحاني، والموجه البصير، يفجر فيه الطاقات الكامنة، ويسانده للتغلب على العقبات، حتى كان هو العقبة الكبرى في حياته.وصدق شوقي حين قال في قصيدته عن المعلم: وإذا المعلّمُ سـاءَ لحـظَ بصيـرةٍ ***جاءتْ على يدِهِ البصائرُ حُـولالازلنا نذكر أسماء حفرت في ذاكرتنا واستقرت في وجداننا، من المعلمين والمربين الناجحين، الذين تركوا بصمات في حياتنا، وكانت لهم لمسات حانية، غيرت كثيرا في طريقة تفكيرنا، وقادتنا نحو النجاح، ولا زلنا نذكر كذلك غيرهم من المنفرين.