12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون .. ليسوا أقل وطنية ومواطنة ؟!

04 ديسمبر 2014

انتقد صديقي الإسلاميين - وهو يحمل أفكارا غير دقيقة عنهم- فكان مما قال إنهم يفهمون الإسلام تطرفا وتسابقا على السلطة وقتلا للمخالفين وقتالا للمعارضين.. صديقي خلط أيضا في بعض الصور والشواهد ما بين السنة والشيعة وما بين المتطرفين والوسطيين.. فأجبته مع كل الاحترام موضحا ومصححا.. وقلت: مما لا شك فيه هو أن الشيعة غير السنة وأن المتطرفين ليسوا كالوسطيين، وأن الحد الأدنى من الموضوعية يقتضي التفريق بين هذا وذاك خاصة أنهم أطراف متشاكسة متعاكسة.. وليس من العدل ولا الصواب تحميل بعضهم وزر بعض، ولا أن يناقش مسألة من هو غير ملم بأطرافها وأساساتها أو يحمل أفكارا شائهة انطباعية وإشاعتية.. وأما أن الإسلام ليس قتالا على السلطة وقطع الرؤوس وإقامة الحدود.. فهذا صحيح ؛ ولكن دعني أوضح لك كيف يفكر الإسلاميون في موضوع السلطة.. فأنا منهم وأعرف من أين تأتي فكرتهم في ذلك: * الإسلام يقوم ابتداء في النفوس النظيفة ثم لا بد أن يحكم وأن يحفظ حقوق وكرامة أتباعه وأن يوطد العدل بين الناس.. وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث ظل يبني العقيدة ثلاث عشرة سنة في مكة قبل الهجرة ثم تسلم السلطة وأقام الدولة في المدينة بعد الهجرة حتى قبض وتسلم الدولة خلفاؤه من بعده.* ظل الإسلام يحكم بعد ذلك 13 قرنا كانت فيها الأمة عزيزة في خير وغنى، وكانت أراضيها ومصادرها ومكتسباتها مهيبة ومصونة حتى لو كانت تعاني من نقائص ومراحل ضعف أحيانا.. إلى أن تآمر الأعداء في الخارج والداخل على هدم هذه الخلافة فأسقطوا استقلال الأمة وزرعوا الكيان الصهيوني في فلسطين. * الذين هدموا الخلافة الإسلامية هم ذاتهم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه وهم أربعة معسكرات (اليهود والنصارى والكفار ثم المنافقون) وهؤلاء هم ذاتهم أعداء الإسلاميين اليوم.. * لا يجوز أن يظل المسلمون تحت الاستعمار الأجنبي وتحت رحمة اليهود والصليبيين، ولذلك نهضت الأمة بثورات الاستقلال أواسط القرن الماضي.. وبرز حسن البنا في مصر والقسام في فلسطين، وعمر المختار في ليبيا، وابن باديس في الجزائر.. وهو ذاته الدافع هو الذي يحركهم اليوم ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين والأمريكي في أفغانستان وفي العراق، والهندي في كشمير..* الاستعمار عندما خرج من بلادنا سلّم الاستقلالات والبلاد لقوم هو اختارهم ورباهم على عينه ليعيدوها للاستعمار من جديد بأشكال أخرى، وليوفروا له مصالحه كما كانت وربما أكثر مما قبل الاستقلالات، وليستهدفوا كل محاولة جادة للخروج من الهيمنة الأجنبية أو العودة للإسلام.. فأنشأوا إسلاما رقيقا ناعما مطاطا باردا بليدا رسميا لا يغني من جوع ولا يسمن من شبع.. وتعقبوا الإسلاميين الحقيقيين وبالأخص منهم الوسطيين الذين يغري إسلامهم بتقبلهم والانتشار في أوساط المثقفين والنخب.. فسجنوهم وعذبوهم ومنعوهم من مجرد المشاركة في الحياة السياسية وشوهوا صورتهم.. * لا يمكن أن يظل الإسلاميون الذين يؤمنون بتطبيق الشريعة تحت حكم من لا يؤمنون بذلك من العلمانيين والقوميين والمستبدين ومن يتألهون على الناس والفاسدين الذين إما يخونون الأوطان أو يسرقونها والضعفاء الذين لم يقدموا نموذجا صالحا للحكم.* فإذا نظرنا لأكبر وأبرز وأقدم جماعة إسلامية سنية وسطية – نظرنا لـ" الإخوان المسلمون " فوجدناهم ليسوا كغيرهم من حيث التوازن وواقعية الأهداف وسعة الأفق ؛ ووجدناهم متوازنين وسطيين ووجدنا تربيتهم منضبطة تجاه الفكر والسلوك وتجاه نظرتهم لغيرهم وتصنيفهم لقائمتي الأصدقاء والأعداء وما بين البينين فق معطيات الواقع ثم وفق موقف شريعة الله تعالى.. غير أن أعداءهم (وعن سوء قصد لا عن حسنه) يحاولون إلصاق أخطاء وتطرف بعض الإسلاميين الآخرين بهم ظلما وعدوانا وتشويها لتبرير استهدافهم وظلمهم ومصادرة مواطنتهم. .* كثير مما يسمعه الناس عن الإسلاميين إنما يسمعونه من خصومهم الذين يشيعون عليهم تهم التطرف والإرهاب وكانوا من قبل يشيعون عليهم تهم العمالة للمستعمر.. وما ذاك إلا كذب فاضح وظلم واضح. * وانظر للواقع الذي تراه أنت دون أن تلبس نظارة سوء الظن أو تصدق الإشاعات بلا دليل وخذ إخوان مصر نموذج قياس.. فهل هم إلا سلميون وإلا يحبون أوطانهم وإلا يضحون في سبيلها بأنفسهم وأبنائهم ثم انظر موقف عدوهم وقارن الأخلاق بالأخلاق والفهم بالفهم فلن تجدهم إلا أفضل الناس أخلاقا ومواطنة وسلاما وحفظا للحقوق واحتراما واستقامة.* وأخيرا إن شئت أن تحكم على الإسلاميين أو على غيرهم فانظر أربعة موازين ؛ الأول: أعمل ميزان الشرع وانظر إن كان يميل لهم أو عليهم.. والثاني: انظر أعداؤهم وخصومهم وقس الأخلاق بالأخلاق والمواطنة بالمواطنة وانظر مثيله أو مقابله عندهم. .الثالث: احذر الوقوع في " بروباجندا " ودعايات الإعلام الكاذب والموجه ضدهم.. والرابع: وحاول أن تراهم بعينيك أنت لا بعين غيرك فليس كل الناس يفهمون ما تفهم..آخر القول: الإسلاميون كغيرهم في المواطنة وحقوقها ومتوجباتها، وعلى شركائهم في الوطن أن يتقبلوهم بلا منّة أحد على أحد، فإن كنا نريد دولا مستقلة فالفضل للتحرير، وإن كنا نريد دولا ديمقراطية فالحكم للأغلبية، وإن كنا نريد وحدة وطنية فلنترك التناحر والتنابذ على مجرد الاختلافات الفكرية.. ولا أرى سببا لانزعاج غير الإسلاميين من الإسلاميين إلا أن يكونوا خائفين من التسابق الحر على إقناع وكسب الرأي العام.