11 سبتمبر 2025

تسجيل

نحن والعيد والثورة.. فرحة تغلب الأسى

04 ديسمبر 2013

أبارك للجميع بالعيد السعيد وأشعر هذه المرة بفرحة حقيقية ربما لم تعشها الأمة منذ مائة سنة إذ يأتي العيد هذه المرة بطعم الحرية والوحدة والثورة ، وبرائحة الأمل أن يكون حاضر الأمة خيرا من ماضيها وأن يكون مستقبلها خيرا من حاضرها وأعز وأفضل، وأن ما كانته الأمة من الضعف وتحكم أعدائها فيها لم يعد بعد الثورات العربية الواعدة ممكنا أن يبقى أو يستمر. جاء العيد والأمة تقدم القرابين من فلذات كبدها ومن خيرة أبنائها لتستعيد ما تبدد من شرفها ولتستدرك ما فات من خيراتها .. جاء العيد والأمة تحقق الإنجازات في شق هويتها المعنوي والعقدي والثقافي الذي يتأسس عليه كل أمل.. جاء العيد وهي تتحرر من طواغيت أفسدوها (وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون).. جاء العيد وقد كسرت الشعوب خوفها وأسقطت طواغيت ومعهم معادلات بقائهم وظلمهم.. بعد أن ظن أولئك الساقطون أن لهم الملك من دون الناس وأن الملك ما كان ولا وجد إلا لهم ولجوقتهم وبعد ظنوا أنهم باقون للأبد وأنهم يملكون القدر .. ولماذا لا يبقون والقوى الأجنبية والاستعمارية راضية عنهم ولا تفكر في تغييرهم أو في تثوير الناس عليهم وهي تسرح وتمرح وتتمتع بمقدرات الأمة دون رقيب ولا حسيب؟ ولماذا لا يأمنون على أنفسهم وعروشهم والجيوش مرقوبة أنفاسها ومحسوبة ترقياتها؟ ولماذا يقلقون والانقلابات قد توقفت منذ ثلاثين سنة أو يزيد؛ والانتخابات مسيطر عليها وعلى تزييفها، والرقابة الدولية مرفوضة باسم الوطنية والاستقلال والسيادة، والأحزاب المعارضة مدجنة كل منها قد رضي أن يلعب في إطار الاعتياد النمطي للمسموح؟ أما إن فكر الشعب في الثورة والتمرد فقوى الأمن والجيش ومن حولهم البلطجية والشبيحة جاهزون بمئات الألوف وما أعدوا إلا لمثل هذا اليوم وما تربوا ولا بنيت عقيدتهم الأمنية إلا على الولاء الشخصي للرئيس وابنه وحزبه وأذنابه .. ( وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ .. ) . جاء العيد على الليبيين هذه المرة بدون معمر وبدون ابنه سيف الإسلام ؛ بدون معمر الذي لم يعمر في ليبيا إلا ليقهر شعبه ويذله ويعزله عن أمته وقضاياها .. وإلا بقدر ما يتراكم غضبهم ويتحضروا لطرده ومطاردته ويلجأوه إلى أخدود من الأرض أو للتلفع بثوب امرأة يتخفى فيه .. لم يعمر إلا بقدر ما يتهيأ الليبيون ويتأهلوا للاقتصاص منه ومن أبنائه وأذنابه .. جاء العيد بدون ابن القذافي سيف الإسلام الذي توعد شعبه بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ولم يكن سيفا إلا للباطل وإلا للشيطان .. ومن يشابه أباه فما ظلم .. جاء العيد بدون هذا ولا ذاك ولا أولئك .. جاء العيد على المصريين وقد خلعوا وها هم يحاكمون المتسمى حسني مبارك الذي لم يكن لشعبه وأمته إلا قبحا لا حسن فيه وإلا خسرانا لا بركة معه .. وها هم يطاردون فلول حزبه الذي تلاشى بعد أن تكاثر على المصريين بملايين النفعيين وخفافيش الظلام والدراكولات مصاصي الدماء وعملاء الصهيونية .. تلاشى كسراب بقيعة (يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) .. جاء العيد على التونسيين بعدما اقتلعوا الطاغوت وحاكموه وفضحوا عمالته للأجنبي وإدمانه المخدرات وسرقته أموال البلد وتحكم امرأة وأهلها فيه .. ذاك المسمى علي زين العابدين والذي ليس له في العلو والرفعة قدم ولا ساق ، ولا له في العبادة قيام ولا قعود ولا ركوع ولا سجود ، ولا تذكره الأمة إلا معطلا للحج محاصرا للمساجد ملاحقا للعبّاد قاتلا للدعاة مهجّرا للعلماء مانعا للحجاب ناشرا للفساد.. جاء العيد هذه المرة وفي اليمن وفي سوريا ثورتان واعدتان في عنفوانهما وتضحياتهما تعودان بذاكرتنا إلى جيل خير القرون الذين كان الفرق بين الحياة والموت عندهم كيقظة بعد نوم أو كنوم بعد يقظة في ساعة من قيلولة واسترخاء.. جاء العيد والثورتان تتصاعدان وينضم لهما كل يوم الحلفاء والأنصار وتتجذر شجرتهما وتورف الظلال .. ويرقبهما المسلمون ويتساءلون من التالي؟ هي المرة الأولى مرة منذ مائة عام أو يزيد تستعيد فيها الأمة ذاكرتها وهويتها وذاتها .. فاستحقت أن تفرح وأن تمرح .. أما دم الثوار وجهد الأحرار وعلى عزته وغلاوته فهو ليس أعز ولا أغلى مما تبشرنا به الأحداث ، ثم متى برئ جرح الأحرار ومتى رقأ نزفهم ؟ ألم تكن الأنظمة تسومهم سوء العذاب لأجل كلمة قالها أحدهم أو قيل إنه قالها ، ولأجل رأي أنبأ عنه أو قيل إنه أنبأ عنه؟ أو لأنه وجه نقدا أو ظن جاسوس صغير أنه وجهه؟ لكن العذاب كان عذابا بلا ثمن ؛ والدم كان دما بخسا زهيدا لا يرى حمرته إلا قلة من ثائرين يخشى الالتقاء بهم أو طرح التحية عليهم .. الأمة اليوم تستحق أن تفرح بشبانها الذين لم يتحقق فيهم ظن القس " صمويل مارينوس زويمر " رئيس جمعيات التبشير الذي بشر أتباعه الـ1200 مندوب الذين جمعهم وقال لهم في مؤتمر القدس 1935 م : " إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .. إنكم أعددتم نشئا لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقا لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور ، ويحب الراحة والكسل ، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة ، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات ، وإذا جمع المال فللشهوات ، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات .. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات .. أيها المبشرون إن مهمتكم تتم على أكمل وجه .. " فأين زويمر مما يفعله الشباب اليوم في سوريا وفي اليمن ومن قبل في تونس ومصر وليبيا .. !؟ أين زويمر ومكائده التي حاكها ونجاحاته التي زعمها ؟ أين هو من هؤلاء الشبان الذين يواجهون الموت لا يتردد أحدهم في المضي إليه ولا ينثني عن مراده وهو يعلم أنه صائر إلى مصيره ويرى نفسه لا تساوي - في نظر حكومته ورئيسه ونظامه - ثمن الرصاصة التي تقتله ؟؟ الأمة اليوم تفرح إذ ترى ثوراتها تحاصر " إسرائيل " وتخيف الاحتلال وتجبره على التعاطي مع مصر ومع تطبيقات كامب ديفد بطريقة تتماءل للندية التي لم يطمع الشعب المصري والشعوب من حوله في عشر معشار ما تحقق منها ؟ تفرح الأمة إذ ترى الاحتلال يعترف بالتغييرات ويحسب حسابها .. قالت جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية – الأحد الماضي - 28 / 8 في تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت " إن ثمة إدراكا متناميا في إسرائيل بأن الحفاظ على علاقات مع مصر ما بعد الثورة لم يعد يعتمد على تنمية العلاقات مع قادتها، بل بتبني مواقف تكون مقبولة بشكل أكبر بالنسبة للمواطنين المصريين العاديين والقوى السياسية المختلفة الناشئة في هذا البلد بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك " الجريدة نقلت أيضا عن مسؤولين " إسرائيليين " قولهم: " إنهم ينظرون بعين الاعتبار إلى الصوت الحازم الجديد للرأي العام في مصر وتأثيره على قيادة البلد " . آخر القول : صحيح أن في هذا العيد أسى وفي الأمة دماء ودموعا وجوعا .. لكن الفرحة تغلب الأسى إذا تذكرنا أن ذلك كان يحدث دائما بدون ثمن وبدون أن يتنبه له أحد .. والفرحة تغلب الأسى إذ يصير للدماء لون الدم وريح المسك وزكاوة المعنى ، والفرحة تغلب الأسى إذ يصير قطار الأمة اليوم على السكة وما بقي إلا أن يصل .. والفرحة تغلب الأسى إذ يكتشف شبابنا ذاتهم ويكسروا خوفهم ويخرجوا عن صمتهم.. والفرحة تغلب الأسى إذ نرى الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد.. قد صب عليهم ربك سوط عذاب (إن ربك لبالمرصاد) .