12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحكومة العريضة والأزمات الرضيعة

04 ديسمبر 2011

واقع السودان المأزوم يتطلب تشكيل حكومة إدارة أزمات! في غمرة انهماك حزب المؤتمر الوطني بتشكيل الحكومة الجديدة أطل مدعي المحكمة الجنائية الدولية من جديد ليطلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة توقيف وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم محمد حسين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. وتزامن طلب توقيف وزير الدفاع السوداني مع تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي صنف السودان في المركز الـ177 من بين 183 دولة الأكثر فساداً في العالم.. مما يعني أن السودان يعد من أكثر ست دول فسادا طبقا للتصنيف الذي صدر مؤخراً. وقد تتالت الحادثتان بعد تجديد الإدارة الأمريكية للعقوبات على السودان يوم الأربعاء الماضي.. حيث أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حيثيات القرار: إن الوضع في دارفور يشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية ومشددا على أن تمديد العمل بهذا القانون "قانون الطوارئ الوطني"، يأتي على خلفية تصرفات وسياسة الحكومة السودانية. وعلى إثر هذه الخلفية المخيفة للأوضاع في السودان فإن مقتضيات الأحوال تتطلب تشكيل حكومة وفاق وطني لإدارة الأزمات، وليس حكومة ذات قاعدة عريضة بالمعايير النسبية الباعثة على الخلاف والاختلاف. حكومة إدارة الأزمات تعني أن يتنازل المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد أكثر من عشرين عاما طوعا باشراك جميع القوى السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لوضع أجندة محددة لمعالجة وإدارة الأزمات بصورة فاعلة ومؤثرة. ويتحتم على حكومة إدارة الأزمات ان تضع جل اهتمامها لمعالجة الازمات التي اضحت تطوق الوطن في العنق، والخاصرة والمخيال. فالمشهد السوداني بأجمعه يمثل أزمات عنقودية تتطلب معالجات آنية بمنطق وسياسات الحاضر، عوضاً عن تعاطي المؤتمر الوطني لأزمات الحاضر بسياسات وتكتيكات الماضي الغابر. فأزمة دارفور – أم الأزمات – لا تزال تشكل كابوسا مرعبا رغما عن الجهود التي تم التوصل إليها في العاصمة القطرية الدوحة. فالجبهة الثورية التي لا يعجبها العجب تنأى بنفسها عن اتفاق الدوحة وعقدت العزم على إسقاط الحكومة، والزلزال الارتدادي الذي خلفه انفصال الجنوب أضحى يهدد وحدة ما تبقى من الوطن المأزوم: فالارتدادات في جنوب النيل الأزرق، وجنوب كردفان وما تبعها من نزاعات وحروب وسفك الدماء وتبديد الموارد، كلها بحاجة إلى إدارة أزمات ماثلة ومتوقعة. والازمات الاقتصادية التي تتمثل في فقدان القوت، والدواء للمواطن العادي لا يمكن النظر إليها باعتبارها ازمات عارضة أججها فقدان السودان عائدات النفط بعد انفصال الجنوب.. وانما هي ازمات اقتصادية حقيقية يزداد حجمها وقوة دفعها مع مرور الأيام. المؤشرات التي رشحت – حتى الآن – تشير إلى أن الحكومة المقبلة سوف تكون حكومة ارضاءات لاحتواء بعض رموز الأحزاب المؤثرة لإسكات أصواتها وتعطيل وتقزيم المعارضة.. فحكومة الاسترضاءات أو الارضاءات، ورديفتها الحكومة ذات القاعدة العريضة لا تقوى حتى على إدارة الأزمات الرضيعة، لأن الأزمات الوليدة سوف يشتد ساعدها وتشب عن الطوق وتنمو، وتزمجر، وتدمر!