18 سبتمبر 2025
تسجيللم يسلم المكون السعودي منذ نشأته ضمن أطر الكيان الواحد من تناقضات تخبو وتبرز تبعاً لمتغيرات جملة الظروف المحلية والمحيطة كحالة تاريخية تصاحب كافة الدول والمجتمعات مهما بلغت نمطية تركيبها السياسي ومحور إيديولوجياتها المتمثل في عمق فكر أتباعها وتوحدهم نحوه. فالاختلاف سمة إنسانية خالدة وملازمة لكل أطور التجمعات الإنسانية. لذلك لم يكن بدعاً أن تطفوا أحداث القطيف شرق السعودية على المشهد العام مؤخراً فهناك ثمة محرك وراء الحدث وامتداده التاريخي ولعل أبرز تلك المحركات الآن هي الحالة الثورية العربية المعاصرة إضافة إلى جملة ترسبات وممارسات محلية يوقظها ويدعيها البعض تجاه طائفة بعينها. وليس بعيداً عن النهج الرسمي في التعاطي مع الحالة في القطيف والتي عبر عنها بيان وزارة الداخلية السعودية مسنداً بعض التجاوزات الشبابية إلى إملاء خارجي ودعوة البيان الصريحة إلى كبار القطيف للأخذ بيد أولئك المتجاوزين إلى جادة الصواب. فالعبارة الأخيرة تحديداً في البيان هي ما وددت الإشارة إليه في مقالتي هنا حيث تسند إلى كبار القطيف مهمة المشاركة في إنها تلك الحالة باعتبار أهل القطيف ضمن ذلك المكون الواسع للبلاد والمتعدد المذاهب والأطياف والذي سبق له تجاوز جملة من الحالات المماثلة بتغليب المصلحة أولاً: واستقراء تبعات الانجراف لمثل تلك التجاوزات. ففي عمق المشكلة كانت الأصوات من القطيف تنادي إلى الكف عن المزيد من التشاحن والتصعيد ضمن اصطفافات طائفية مع التأكيد على الانتماء الوطني ونقائه من شائبة الولاء للغير مبدين الرغبة في تحقيق جملة من الاستحقاقات المدنية العامة. وحقيقة كانت الحكومة السعودية حصيفة في احتواء الموقف ووقف التصعيد والمواجهات بسحب نقاط التفتيش من المنطقة وبث دواعي الهدوء والتواصل . فقد وضعت أصابع كلا الأطراف على الجرح مباشرة بعدما تبدى للجميع اندساس فئة مغرر بفكرها لتنحو بالأحداث صوب المواجهات والتصعيد. أما هوية ذلك التغرير ومصدره فهي معلومة وتتسق مع مشهد أحداث المنطقة ربما لتوجيه الأنظار عن الثورة في سوريا وتخفيف بعض الضغط عن هناك أو يمكن فهمها من جانب أخر وبرؤية عالمية للعمل على التحشيد الموجه ضد إيران. ومن جملة ما يحسب للقيادة السعودية الحزم في مواجهة أي محاولة لإخلال الأمن في البلاد أين كان مصدرها وعدم التعميم في تحميل تبعية الحدث لأي فئة أو مدينة وفقاً لما سبق أن واجهت به الجهات الأمنية محاولات الإرهاب التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة فكان التعامل محصوراً مع ذات المصدر دون محيطه بل وزادت الحكومة السعودية في أحداث القطيف مؤخراً تكثيف التواصل مع رموز المنطقة بغية التوافق في فهم الحدث وصياغة حلوله بشكل جذري اعتماداً على محصلة ثوابت أساسية ضمن محور العلاقة بين القيادة وعموم الشعب فأهل القطيف بما يمثلونه من كثافة للمذهب الشيعي لا يشكلون فزاعة لأمن الوطن وتركيبته الاجتماعية فهم جزء ملتحم بالنسيج العام لهم ما لغيرهم وعليهم ما على غيرهم أيضا يشاركون بفعالية في جملة الأنشطة الحياتية والعملية وتضمن لهم الدولة حقوق المواطنة كاملة دون تمييز بل وينتشرون في كل مناطقها للعيش والعمل ولهم مواقف تاريخية ومستمرة في تشكيل لحمة الوطن والولاء لقيادته والعمل معها ضمن المكون العام منذ بداية التأسيس وتلك المحصلة الأولى. أما الأخرى فكبار القطيف من أعيان وعلماء يدركون معنى الانتماء وهويته ويستقرأون بحصافة وعمق مجريات الأحداث ومضمونها وعائديتها على الدول والشعوب وفائدة الوحدة الوطنية فيعلنون نبذ فكر التطرف ويعملون على تمتين الانتماء للوطن بحقيقة واعية دون مجاملة أو تمظهر وإن شاب المشهد بعض الأصوات المخالفة فهي تحسب في النهاية إلى أجندات خارجية تكرر المحاولات لاستغلال الحالة العامة وإسقاطها على الأحداث المحلية وهي أيضا لا تخلو من رائحة الابتزاز كسبا لمصالح إستراتيجية كبرى ربما تمليها ظروف الاقتصاد العالمي. وتبقى أحداث القطيف حالة ترصد ضمن سلسلة ظواهر الأحداث في عموم الدول والمجتمعات. [email protected]