12 سبتمبر 2025
تسجيلهناك من حالاتِ الوَفاة ما تكونُ دروسًا للتدبُّر، ومن بينها وفاةُ نائب رئيس البيرو إيرناندو غارسيا صباح الجمعة الماضي، في إطارِ تفاصيل يؤدّي أغلبُها إلى رسالةٍ واحدةٍ، وهي: «واجب الاستماع إلى مطالب كل الانتفاضات الشعبيَّة المُنادية بتوفير الحدّ الأدنى من عددِ الأطباء والخدمات الطبيَّة في المُحافظات المُهمّشة». وقد شاءت الأقدارُ أنْ تعرّضَ نائبُ الرئيس إيرناندو غارسيا لأزمة دماغيَّة، أثناء مرورِه بإحدى تلك المُحافظات، وأدّت إلى وفاته بسببِ عدم توفّر طبيبٍ وخلوّ المستشفى من أدنى التّجهيزات! من المُفارقات التي فجَّرتها هذه الحادثة، ما يتعلّقُ بسبب تنقّل إيرناندو غارسيا إلى محافظة آريكيبا الجنوبية، حيث صادفَ يومُ وفاة غارسيا، يومَ افتتاح مُؤتمر «بيرو مين» السنويّ للمناجم، وكان عنوان نسخته الحالية رقم 39: «ضرورة اعتبار قطاع الصحة شريكًا إستراتيجيًا لضمان سلامة الموارد البشرية في قطاع المناجم والتعدين». وكان القطاعُ الصحي الخاصّ، الضيف المبجّل في المؤتمر؛ نظرًا لمستوى التعاون العالي الذي سُجّل في السنوات الأخيرة بين القطاعَين. وقد كان نائبُ الرئيس غارسيا أهمَّ الداعمين لهذه السياسة، لاسيّما أنّه كان يُروِّج في كتبه لفكرة ضرورة تقليص الدولة ميزانيات قطاعَي الصحة والتعليم، التي تحول دون التقدم الاقتصادي، حَسَب رأيه. وكانت الحكوماتُ المتعاقبةُ في البيرو في السنوات الأخيرة، باستثناءِ حكومة بيدرو كاستيو (2021- 2022)، في صراعٍ دائمٍ مع الانتفاضات الشعبيَّة المطالِبة بتوفير عددٍ كافٍ من الأطبّاء والتجهيزات الأساسيَّة، لاسيما في المحافظات المهمَّشة. وفي الوقت الذي تَعْتبرُ فيه منظمة الصحة العالمية أنَّ العدد الأدنى للأطباء لكل 100 ألف ساكن، هو 23، توفّر البيرو 4 أطباء فقط، وأغلبهم يتركّزون في المدن. وقد أكدت وفاة نائب الرئيس إيرناندو غارسيا هذا النقصَ الفادحَ، عندما توجَّه إلى مستشفى يتوفر فيه طبيبٌ واحدٌ كلَّ سبعِ ساعات فقط، وكان خارج أوقات عمله. لكن البيرو، على غرار بلدان عديدة في المِنطقة، تتمتعُ فيها الطبقات الميسورة بخِدْمات صحيّة متطورة بفضل توفر منافسة واسعة بين المصحّات وشركات التأمين الخاصة للتغطية الصحية، ولا يُعوِّل على القطاع العمومي سوى الطبقات الفقيرة، حيث لم يُفلح النوابُ الذين انتخبتْهم، في تحقيق مطالبِها. لقد كشفت وفاةُ نائب الرئيس إيرناندو غارسيا، تراكمَ الغضب لدى فئات واسعة من الشعب البيروفي، على الطبقة السياسية التي لم تراعِ المطالب الشعبيّة المتكررة عند كل مناسبة انتخابية، وليس بالغريب أن يكون لهذا الحدث تأثيراتُه على المشهد البرلمانيّ القادم، مع انتخابات أبريل/ نيسان 2024.