20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحكيم الذي قتل نفسه!

04 أكتوبر 2015

ضاقت قريش ذرعاً بالدين الجديد، وهالها ما يحدث في أم القرى من أحداث تكثر وتسخن يوماً بعد يوم، أشبه ببدايات الثورات الشعبية وتململ الحكومات مما يحدث على الأرض، حيث يكون شغلها الشاغل ما يحدث للناس من انقلاب في المفاهيم والمعتقدات، والأصوات المنادية بالتغيير، وغيرها من ظواهر مصاحبة للتغيرات العظيمة.مما يروى من قصص عن تلك الفترة أن صناديد قريش اجتمعوا وقرروا الدخول في مفاوضات مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كطريقة لوضع حد مما يجري على الأرض.. فبعثوا أحكمهم، وقالوا: لا نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقد كان من حكماء قريش وأكثرهم دعوة للتهدئة في التعامل مع هذا المتغير الحاصل في مكة، ولم يكن يؤيد كثيراً الآراء المتطرفة التي كانت لدى أبي جهل مثلاً كالتعامل العنيف مع الدين الجديد.. ولحكمته وهدوء تعامله مع المتغيرات، اختاره زعماء قريش للقيام بمهمة التفاوض.قام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بن أخي إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم.. فإن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا.. حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه قال: لقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال: فاسمع مني.قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم. حـم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون، بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون"، ثم انتهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود"، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عن ذلك! فقال صلى الله عليه وسلم: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فبدأ عتبة يصف لهم ما جرى.قال: سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة.. يا معشر قريش أطيعوني فاجعلوها لي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به، قالوا وعلى رأسهم أبي جهل: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.فماذا حدث بعد ذلك؟ هذا هو حديث الغد بإذن الله.