19 سبتمبر 2025

تسجيل

الخرطوم تُشيّع الحوار لمثواه الأخير

04 أكتوبر 2014

لم تكن اللغة غير التصالحية والنهج المتشدد للرئيس السوداني عمر البشير في آخر خطاب له الأسبوع الماضي، بعد فترة نقاهة وغياب طويلين، إلا تعبيراً حقيقياً عن أزمة في النظام الحاكم.. لقد دق البشير آخر مسمار في نعش الحوار الوطني الذي أعلن عنه بنفسه في يناير الماضي وأنعش الآمال – حينها - بأن حقبة جديدة منفتحة جديدة بدأت لنظام بلغ من العمر عتياً كأطول نظام سياسي حكم البلاد منذ الاستقلال في العام 1956. وقد وصف حزب "الإصلاح الآن" المعارض الذي يقوده القيادي الإسلامي غازي صلاح الدين خطاب البشير بالانقلاب.. كانت لغة الخطاب متسمة بالتحدي والتعالي واستصغار الآخر ولم تدع مجالا أو مسربا لمن يؤمن بالحوار ويملك قدرا من عزة النفس أن يمضي في هذا الطريق الذي أصبح مزروعا بالأشواك من كل طرف.. الذين يؤمنون بالحكمة التي تقول إن نفي المعلوم بالضرورة إثبات له أي أن (نفي النفي إثبات)، حتما سيتأكد لديهم كل ما اجتهد البشير على نفيه في خطابه.. قال البشير: "إن طرح برنامج الحوار الوطني لم يكن عن ضعف أو كما يظن البعض أن الحبل ضاق والتف برقبتنا ونبحث عن مخارج". لغة الرئيس كانت تشير بشكل واضح لا لبس فيه بأن نظامه باق في الحكم ومن يريد أن يشارك في الحكم فعليه أن يكون تابعا بجانب الكرسي وليس غير.. ولذا كان قول البشير: "ليس لدينا مانع من إعادة تشكيل حكومة في فترة قيام الانتخابات تضم كل القوى داخلها".. بيد أنه ذهب أبعد من ذلك كله عندما أكد جازما وبلهجة قاطعة أن الانتخابات لن تؤجل وستقام في موعدها المحدد في إبريل من العام المقبل؛ وتأجيل الانتخابات أمر اتفقت عليه كل القوى السياسية دون استثناء.. والبشير غير بعض رموز نظامه متشددا ولا يعبأ حتى بمواقفهم السياسية وإن كانت تكتيكية، فلما رأى وزير الخارجية ما أجمعت حوله القوى السياسية بشأن الانتخابات قال في حواره الأخير مع قناة الجزيرة: "إن قيام الانتخابات في موعدها في أبريل القادم التزام دستوري، لكن الحكومة على استعداد لإدراج أمر الانتخابات في طاولة الحوار لتتوافق عليه الحكومة والمعارضة".. المقربون من دوائر النظام يقولون إن قيادات بالحزب كانت تسعى وراء الحوار لم يعجبها خطاب البشير الأخير خاصة وأنه جاء في توقيت كان الجميع يتوقع خطابا تصالحيا يمهد الطريق لعملية الحوار المتعثرة أصلا.. وهذا يشير أن النهج المتشدد للبشير قد أصبح عبئا كبيراً على تلك القيادات التي تمثل أغلبية لكنها لا تجرؤ على مواجهة الرئيس علنا، وفي هذا الخضم كسبت الأصوات القليلة داخل النظام التي لم تكن يوما مرحبة بالحوار المعركة وأقنعت الرئيس بالمضي قدما في الانتخابات باعتبارها فزاعة فاعلة في وجه القوى المستهدفة بالحوار. ومن المفارقات دعوة البشير بقوله إن على الذين يريدون محاورة الحكومة من الحركات المسلحة أن يأتوا إلى داخل السودان؛ في ذات الوقت الذي تستمر فيه الاعتقالات للناشطين السياسيين في الداخل ويطلب من رئيس حزب الأمة المعارض الصادق المهدي التبرؤ من إعلان باريس الذي وقعه مع قيادات الجبهة الثورية أغسطس الماضي ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان جهاز الأمن السوداني الشروع في تدوين بلاغات في مواجهة المهدي، بعيد خطاب البشير. أما الوضع الاقتصادي المتردي فقد رفض البشير وصفه بالانهيار واعتبر ذلك شيئاً طبيعياً جداً، وقال: "فقدنا البترول ولكن خرج الذهب من غير جهد الحكومة"، ومسؤولية فقد البترول تقع على حكومة البشير بسبب تفريطها في جنوب البلاد الذي انفصل في 2011، وحتى عائدات الذهب لا تغطي فاتورة استيراد القمح في ظل فشل شعار "نأكل مما نزرع" فسلة غذاء العالم العربي لا تكفي السودان دعك من العالم العربي. إن الهوة اليوم كبيرة جدا ليس بين النظام والقوى السياسية فحسب؛ ولكن بين القوى السياسية كلها وبين الشعب المطحون الذي لم يعد يعنيه الحوار الوطني والانتخابات وغير ذلك من أمور بالنسبة له ترف نخبوي لا طائل منه؛ فالدولة تخلت عن العملية التعليمية، وتحويل الرعاية الصحية لتجارة والتخلي عنها بل تخلت الدولة بشكل كامل عن السوق وضبط الأسعار وتركه نهبا للتجار والجشعين.. يقول خبير في الأغذية إن نقص ذكاء الأطفال في السودان بسبب الأغذية المعروضة في قارعة الطرق والشوارع، لاحتوائها على ملوثات، فضلا عن الشكوك المتزايدة في صحة الأطعمة بالمطاعم والكافتريات لعدم وجود رقابة عليها.