12 سبتمبر 2025
تسجيلمن المؤكد أن هناك حالة من الإجماع بين كثير من المتعاملين على أن مؤشرات البورصة القطرية باتت عصية على الفهم والاستقراء، وأنها لا تخضع في الغالب لقواعد التحليل الفني، ولا لمنطق التحليل الأساسي. ففي بداية صيف هذا العام كانت الأجواء غير مناسبة من حيث: انتهاء موسم توزيعات الأرباح، وانخفاض أسعار النفط، وتراجع أرباح الشركات في النصف الأول من العام بما نسبته 10% عن العام السابق، وبدء موسم الإجازات والسفر. ومع ذلك سجل المؤشر العام للبورصة ارتفاعات ملحوظة في عدة أسابيع منذ منتصف شهر يوليو، بلغت في مجموعها نحو 1500 نقطة اقترب بها من 11430 نقطة، وعكس الانخفاض التراكمي منذ بداية العام إلى ارتفاع تراكمي بنسبة 7%. ورغم أن ذلك الارتفاع كان مفاجئا وغير مفهوم، ولم يواكبه ارتفاعات مماثلة في بورصات المنطقة، فإن المتعاملين في أغلبهم وجدوا فيه فرصة سانحة لتسوية مراكز ظلت عالقة لديهم منذ العام السابق. ورغم هذه الارتفاعات، فإن معطيات البورصة لم تتبدل بشكل جوهري؛ سواء من حيث أحجام التداول، أو تصنيفاتها -باستثناء طفرات في أيام محدودة-، وظلت جميع فئات المتعاملين عدا المحافظ الأجنبية، تبيع صافيا في كل أسبوع. وفي هذه الأثناء، هيمنت أخبار ترفيع بورصة قطر إلى ناشئة من جانب الفوتسي، واختيار الفوتسي قائمة من نصف عدد الشركات القطرية لتضاف إلى الشركات الداخلة في مؤشرها العالمي، فعمل ذلك على إشاعة جو من التفاؤل بإمكانية حدوث المزيد من الارتفاعات، قد تصل بالمؤشر العام إلى 12 ألف نقطة، وأغرى ذلك بعض المتعاملين ببناء مراكز جديدة. ووسط هذه الأجواء حدثت موجة التراجعات الحادة التي عكست الاتجاه، وأطاحت بالمؤشر العام، دون 11 ألف نقطة، وكأنها لعنة مورجان ستانلي تتكرر ثانية مع ترفيع الفوتسي لبورصة قطر. وذلك التطور يعيدنا من جديد إلى أصل المشكلة التي تعاني منها البورصة منذ سنوات، وتتمثل في حالة من الجمود تهيمن على معطياتها، وبدلًا من التصدي للمعالجة الجذرية يتم تصريف الأمور اعتمادًا على الاستثناءات التي من بينها إحداث تداولات كبيرة ومفاجئة، خاصة في الربع ساعة الأخيرة بعد إغلاق السوق.وأشرت في مقال سابق إلى عدد من الحلول المطروحة في الساحة لمعالجة الأزمة، يقوم بعضها على تفعيل ما تم اعتماده سابقًا من آليات عمل تم إقرارها، دون أن تجد طريقها للتنفيذ العملي، ومن هذه الآليات آلية مزود السيولة، التي تم تطبيقها بشكل محدود للغاية. وهناك آلية التعامل بالهامش، وهي آلية مهمة وتختلف عن التعامل بالهامش في أسواق العملات والسلع حيث الهامش لا يزيد على 50% من قيمة التداول، ومخاطره محدودة، بينما هو في أسواق العملات يزيد على 40 ضعف. وهناك آلية الدخول السريع للسوق من جانب المؤسسات الخارجية، ولكن دون الحاجة إلى متطلبات روتينية تعطل الآلية قبل أن تبدأ. ومن بين الآليات الأخرى التي تحتاج إلى تفعيل؛ نشاط إقراض واقتراض الأسهم الذي تم إقراره، دون أن أن يرى النور بعد، ومنها أيضًا إتاحة فرص "البيع على المكشوف" وهي آلية تمكن المستثمر من أن يتاجر ببيع أسهم لا يملكها ابتداء -إذا كان يرى أن الأسعار تتجه إلى الهبوط في فترة ما- فيكون له عدد من الأسهم المباعة، وعليه الشراء بعد ذلك بنفس الكمية لتغطية هذا المركز المفتوح. وبالتالي لا تنكمش أحجام التداول في أوقات انخفاض الأسعار. وأشرت في المقال المنوه عنه أعلاه، إلى أهمية إدخال منتجات جديدة إلى السوق؛ مثل وحدات الصناديق الاستثمارية، والعقارية، وإدراج شركات جديدة. وقد يتطلب إدراج الشركات الجديدة تغيير المناخ السائد في البورصة من قبيل تطوير آلية الاكتتاب، بحيث يتم ذلك بشكل مباشر عن طريق الوسيط دونما حاجة للذهاب إلى بنك معين وكل ما يصاحب ذلك من متطلبات، وأن يتم تحديد سعر الإدراج عن طريق آلية بناء السجل الإلكتروني للأوامر بدلًا من التحديد العشوائي لسعر السهم. كما نوهت سابقًا إلى ضرورة العمل على زيادة الثقة في أسهم الشركات المدرجة عن طريق إعادة النظر في الأسهم الخاملة لبعض الشركات التي تشهد تداولات ضئيلة سنويًا، فلا يكفي في هذا الحال إخراجها من تركيبة المؤشر العام عقابًا على ضعف تداولاتها. ويجب أن يتم إصدار معايير جودة للشركات المدرجة، بما يضمن التزامها فعليا بمبادئ الحوكمة التي تم إقرارها على كل المستويات سواء من الهيئة أو وزارة الاقتصاد والتجارة أو مصرف قطر المركزي.