18 سبتمبر 2025

تسجيل

السوريون بين خيارين أحلاهما أمرُّ من الآخر والمسؤول عن ذلك هو النظام الجائر

04 سبتمبر 2013

لا شك أن أتعس الحظوظ أن يخير الفرد ، أو الشعب ، أو الأمة بين خيارين كل واحد منهما أسوأ من الآخر ، مثلما يحدث اليوم في سوريا ، حيث يتمثل الخيار الأول في قيام أمريكا أو الناتو بضربات عسكرية بالطائرات والصواريخ تتجه لتدمير البنية التحتية للقوة السورية من الطائرات والصواريخ والقواعد العسكرية السورية التي بنيت بأموال الشعب السوري وقوت يومه ، وعرق جبينه لحماية أمن الوطن والمواطن ولاستعمالها ضد العدو الصهيوني ، ولاستعادة الأراضي العربية المحتلة مثل الجولان بل والضفة والقدس الشريف. وتدمير القوة السورية يُعد أكبر خدمة تقدم لإسرائيل مجاناً لم تكن تحلم بها ، حيث يتحقق لها هذا الهدف وبأموال عربية خليجية - كما حدث للعراق - وأخطر من ذلك هو أن الأجواء هُيئت ليحتفل العالم العربي أو معظمه بهذا التدخل ، ولا سيما حفاوة معظم الشعب السوري الذي بلغ فيه استبداد النظام السوري وجرائمه الخطيرة على مدى أكثر من عامين ونصف أن يكون كالغريق الذي يتشبث بكل حشيش. والخيار الثاني: هو ترك هذا النظام ليعيث في الأرض الفساد ويستعمل جميع أسلحته البرية والبحرية والجوية ، والدبابات والصواريخ والطائرات ، وأخيراً الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري الذي قتل منهم إلى الآن أكثر من مائة ألف ، وجرح منهم مئات الآلاف وشرد منهم أكثر من سبعة ملايين داخل سوريا وخارجها . لكن الشعب السوري ينظر من ناحية أخرى إلى أن هذه الأسلحة التي هي ملك للشعب لم تستعمل في يوم من الأيام منذ أربعين سنة ضد العدو وإنما استعملت دائماً ضد الشعب الأعزل ، ففي عام 1982 في ظل حكم الطاغية حافظ الأسد سويت بهذه الأسلحة والقوة العسكرية مدينة حماة بالأرض فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وقتلت من الشعب عشرات الآلاف ، وسجنت آلافاً ، وانتهكت أعراضاً ، فلا تأس على أسلحة هذا شأنها ، وقوة هذا دورها ، وحكومة جائرة هذا ديدنها ، أن تُباد وتهلك ليرتاح منها العباد والبلاد . حسب علمي بطبائع الشعب السوري الكريم وشهامتهم ونخوتهم الإسلامية لو لم يصلوا إلى مرحلة الضرورة القصوى واليأس من إصلاح النظام الحالي ، ومن معظم قادة العرب الذين لم يستطيعوا أن يمنعوا النظام الجائر الطاغي من إيقاف آليات حربه ضد الشعب ، كما حدث في السابق للكويت ، ثم أخيراً ليبيا ، ما كان بالإمكان أن يوافقوا على ذلك . إن ما عاناه الشعب السوري خلال ما يقرب من ثلاث سنوات لا يمكن تصوره ، فقد حوَّل النظام حياتهم إلى جحيم بمنتهى القسوة والشدة ، ولا أعتقد أن شعباً آخر - سوى الشعب الكردي الذي عانى من ظلم النظام البعثي في العراق شِق النظام السوري - عانى في تاريخنا الحديث ، مثل ما عانى الشعب السوري خلال هذه المحنة ، فقد بطش هؤلاء الطغاة بطش الجبارين فقال تعالى: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) بل كان بطش النظام السوري الطاغية أشد من فرعون الذي كان يترك النساء ولا يقتلهن فقال تعالى: (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم) ، في حين أن الطاغية الجديد لا يترك النساء ولا الرجال ، ولا الأطفال . إن العالم العربي اليوم على حافة الهاوية حينما يعجز بحكوماته البالغ عددها 22 دولة ، وبإمكانياتها الاقتصادية ومواردها البشرية الضخمة عن حماية الشعب السوري حتى يستعين بالغرب للتدخل ضد دولة عربية . إن الأمة العربية في ظل منظومتها الحالية ، وانقسام قادتها انقساماً حاداً عجزت في السابق عن حل عربي لمشكلة احتلال الكويت ، فاستعانت بأمريكا ومن معها لتحرير الكويت ، ولكن أمريكا لم تقف عند الحد فاحتلت العراق ، فوعدت بتحقيق الديمقراطية والرفاهية للشعب العراقي ، ولكن العراق تمزق نسيجه الاجتماعي ، وازداد فيه الاستبداد والدكتاتورية ، وتحوَّل الاستبداد البعثي بالاستبداد الطائفي ، وقتل منذ الاحتلال إلى الآن حوالي مليون شخص أو يزيد حسب بعض الاحصائيات ، وشرد وهجِّر حوالي مليوني عراقي ، وازدادت الكراهية والأحقاد وعمليات الإقصاء والتهميش والتقتيل ، كما أن العراق يعيش في حالة من الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ما لا يمكن ذكره هنا. ومن هنا فالذي نخاف منه (بل ونتوقعه) هو أن لا يكون التدخل الأمريكي (ومن معه) لأجل الشعب السوري ، بل لأجل العدو الصهيوني ، حيث توجه ضربات محددة لتدمير المصانع والمراكز والمعسكرات الخاصة بالأسلحة الكيماوية ، والصواريخ ، والطائرات حتى لا يبقى أي خطر محتمل يهدد العدو الصهيوني ، وحتى لا تصل هذه القوى إلى المعارضة الإسلامية (المجاهدين). وعموماً فإننا جميعاً أمام خيارات كل واحد منها أتعس من الآخر ، ولكن أثبتت التجارب أن التدخل الأجنبي لم يحقق الخير لأمتنا على مر التاريخ ، بل حمل معه الشرور ، ولكن مهما كان الأمر فإن النظام الجائر في سوريا هو الذي يتحمل المسؤولية عما وصلت إليه أحوال السوريين . وأخيراً فنطلب من قادة العرب التركيز على شيئين أساسيين هما : 1 - التركيز أولاً على إزاحة النظام بأي وسيلة سواء كانت عن طريق التنازل أم غيره ، ثم تشكيل حكومة وطنية ، وكم نتمنى من النظام أن يهتدي إلى التنازل وبذلك منع سوريا من شر التدخل الأجنبي ، ولكن يبدو أن سنة الله في الطواغيت هي ما قاله سيدن موسى: (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) 1. 2 - وإذا لم يمكن ذلك فيجب التركيز على حظر جوي للطيران السوري على المناطق المحررة ، وجعلها مناطق آمنة ، وتشكيل حكومة وفاق وطنية تجمع كل الفصائل ، وتوحدها على أساس الوحدة الوطنية والحقوق المشروعة للجميع دون إقصاء لطائفة ، أو عرق ، أو فكر . فأرى من الفريضة الواجبة أن يسعى جميع المخلصين من الحكومات ، والساسة والمسؤولين والعلماء والحكماء خارج سوريا وداخلها لتجميع المعارضة في الداخل والخارج ، ولتوحيد فصائل المقاومة والجهاد في إطار الجيش السوري الحر توحيداً حقيقياً بحيث تخضع جميع فصائل المقاومة لإدارة واحدة وقيادة موحدة حتى ولو كانت قيادة جماعية ، وإذا لم تفعل ذلك فستكون فتن القتال الداخلي والحرب الأهلية على الأبواب - لا سمح الله - فأناشد الجميع بالسعي لتحقيق هذا الهدف قبل فوات الأوان. والله المستعان.