15 سبتمبر 2025

تسجيل

"ماذا إن لم يتحقق!"

04 سبتمبر 2012

يُؤرقهن أمر الزواج، فهو الحُلُم الذي لا يُغادر مخيلتهن، وما عيبٌ أن حلمنَ به، فهذه نداءات الفطرة، لا مجالَ للتصدي لأصداء فُطرت المرأة عليها، فتحلمُ الفتاة برجلٍ صالح يحتويها، ويكونُ لها حصناً منيعاً وتكونُ لهُ سكناً حنوناً، وأن تكونَ الأم بعد كل ذلك، فتُربي جيلاً متميزاً. إن كان ما سلف ليسَ عيباً فأينَ العيب إذا؟ دَعُوني أُحدثكم.. تُحدثني إحدى الفتيات وهي في السادسة والعشرين من عمرها، إنها قلقة جداً من أن يفوتها القطار، وتُصبح "عانسا" على حد قولها، فأراها دائما صفراء الابتسامة، تُمارس حياتها دون حيوية، فتأكل دُون لذة وتشرب دون استساغة وتُقابلنا دون مرح! تجرأتُ يوما حين انفردنا مصادفةً لأسألها: "لمَ أشعر دائما أنك تفعلين كل شيء وأنتِ مُجبَرة.. فلا حماسة في الأمر ولا حيوية؟" فأجابتني بما توقعت:" أرى كل صديقاتي قد تزوجن وأنا كما أنا، ادعي لي الله أن يرزقني بالنصيب!" غضبتُ سرا من جوابها ولكنني لم أُفصح فأخبرتها مباشرة: "سأفعل ولكن هل عدم تحقق حلم الزواج يجعلك تعيشين حياتك كُلها دون تذوق، تستثقلين اليوم كله، وتقومين بالممارسات اليومية مُكرهه؟"، لم استطع إنهاء الحوار معها لأن احدى الفتيات انضمت لنا سريعا.. فَفُضَّ النقاش. لم يهدأ لي بال في تلكَ الليلة، هاتفتُها ولكني هذه المرة لم أكتم غيظاً ولم أُجَمِّل نصحاً، فأخبرتها بقول الدكتور جاسم المطوع: " أن الدرر المكنونة في قاع البحر لا ينقصها شيء إن لم تجد صياداً ماهراً حذقاً.. " قلتُ لها واصلي الدعاء وابقي الحُلُم فلا ضَيْرَ في ذلكَ ولا عيب، ولكن العيب كُله أن أكون تلكَ الجثة الهامدة التي بها بقايا رُوح بائسة، فأُعلق سعادتي بحلم الزواج، فلا أسعد ولا أهنأ حتى يتحقق.. ماذا إن لم يتحقق؟ هل أعيش العمر الجميل دون انجاز وانتاج؟ دون سعادة ورونق وبهجة؟ ماذا لو تحقق وابتليت بزوج كئيب، زادَ حياتكِ تعاسة وابتلاء؟ أتكونين كالصائم الذي صام دهراً يحلم بفطورٍ شهي جداً ليجد ما ينتظرهُ بصلة مُجَردة!، ركزي على الموجود يا "فلانة" لا على المفقود، على ما تملكين لا على مالا تملكين، واستمتعي حتى في شرب الماء الصافي، فهناكَ الملايين الذي يحلمون بالنعم التي تملكين. حتى اذا ما جاء الزوج المُنتظر أضفتِ الى سعادتكِ سعادة. اخلقي السعادة بنفسك ولا تربطيها بحدثٍ أو بشخصٍ أو بزمن.. قاطعتني: " غاليتِ في النصح، ولا أجدني قادرة على التطبيق، سأطلب منكِ طلباً أن ادعي الله أن يرزقني زوجاً".. اخبرتها ستكونين في دعواتي وأن تُكثف هي الدعاء كذلكَ لتنالَ ماتُريد، وانتهت المحادثة. كان ذلك الحوار في أحد الرمضانات المنصرمة، لم ينته الشهر الكريم حتى قالت لي: " أبشرج يا صديقتي، هناك من جاء ليطلب يدي، شاب طيب متعلم".. واخذت في وصفه.. سَعدتُ لها كثيراً،وباركتُ لها بفرحة عارمة، فقد تحقق ما تريده صديقتي. تزوجت وانجبت، وابتعدت عنا جميعا بحكم الظروف، هاتفتني منذ فترة ليست ببعيدة تبكي بكاءَ الأرامل، تشكي حزناً دفيناً، فهي لا تجد أدنى سعادة مع زوجها. وأنا أسمعها تبكي، صَعُبَ علي أن أُذكِرُها بكلامي ونُصحي، وأخذتُ مجراً آخر للتخفيف من آلامها. فتاة أخرى، وقتها مشغول من الصباح إلى المساء، حياتها كلها أهداف سامية، تعمل، تدرس، تقرأ، تتطوع بلذة لا توصف، مشاريعها النبيلة لا منتهية، أنهت الدراسات العليا، وبلغت من العمر 33 سنة ولم تتزوج، هيَ قريبة مني جداً، لم أسمعها يوم تبكي أو حتى تشكي أمر الزواج، فسألتها يوما، ألا تخافين شبح العنوسة! فأجابت: " أنا مؤمنة أن الله سيكتب لي قدراً جميلاً، أيا كان، مع من كان، ومتى كان.. والأهم أني سعيدة، فهو "تعني الزوج" ليسَ الحياة التي انتظر، أنا اعيش حياتي بحذافيرها بمتعةٍ متناهية، فإن تزوجت أضافَ الزواج إلى حياتي الجميلة جمالاً، الزواج ليس الحياة، الزواج إضافة فقط إلى تلك الحياة. كانت تتكلم وأنا أرى دون مرآة أن عيني تبرقُ من السعادة، هكذا النساء العاقلات المُنجزات وإلا فلا.. كانت يدي مُحَمَّلة ببعض الأشياء، ما إن أنهت كلامها حتى وضعتُ كل ما بيدي جانباً وصفقتُ لها، فإن لم يستحق هذا الكلام التصفيق فما الذي يستحق إذا؟.. لن آخذكم في تفاصيل طويلة ولكن تزوجت هذه الصديقة من رجل أكاديمي، بعد قصة حب جميلة وقصيرة واليوم تعيش معه حياة وردية. كنتُ أقرأ منذ فترة كتاب "نسيان كوم" للكاتبة المتألقة الجزائرية أحلام مستغانمي، فأضحكني احد العناوين التي تقول " أيتها الحمقاوات الحياة تنتظرك وانتي تنتظرينه!" ضحكتُ طويلاً وقد تذكرتُ جنون الفتيات من حولي. لعلي بكلامي هذا لا أُقلل من قيمة الزواج ولا أعيب الرغبة به، ولكنني أعيب فتيات يُعطِلنَ سعادتهن كلها حتى يتزوجن! ويَقرن أمرَ السعادة والحياة الجميلة بحدث الزواج.. أعوذ بالله أن يزيد هذا المرض في الجنس اللطيف. اللهم إنا نسألك السعادة والرضا، ونسألك الفوز في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.