14 سبتمبر 2025

تسجيل

عيد الثورات وبن عباد

04 سبتمبر 2011

حل عيد الفطر المبارك هذه السنة بصورة استثنائية بامتياز ، فقد رسمت الثورات العربية – التي لا تزال تصطخب مثل إعصار أيرين العاصف - أفقا جديداً، كما شيدت صروحا شامخة لإرث حضاري مجيد وجديد تقطف ثماره الأجيال القادمة وتتفيأ ظلاله الأمة العربية في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والطمأنينة الناعمة.. فقد شهدت الساحات فرحاً عارماً بنجاح الثورات في: تونس ومصر وليبيا، ورفع المصلون أكفهم بالضراعة والابتهال والدعاء لله تعاظمت قدرته أن يزول حكم الطغاة، وأن يلهم الأوطان العقل السديد لكي تمضي بقية الثورات في سوريا واليمن حتى منتهاها، وأن يديم المولى الأمن والسلام والاستقرار والبناء الديمقراطي، وأن يجنب البلاد والعباد مآلات الفوضى المستمرة والمدمرة. حقاً لقد نجحت الثورات العربية – حتى الآن – في تحريك المياه الراكدة والآسنة، وتحويل واقع الأمة إلى حراك شبابي وجماهيري ذاخر بالمعاني ومفعم بالأمل النضير والعزم الوثاب. فقد دكت الثورات قلاع الاستبداد والفساد وحكم الفرد والقضاء على مظاهر التوريث المقيت حتى أضحى كل الزعماء الذين طوقتهم الثورات بأزيزها يرتجفون مثل القلوب الواجفة والمعذبة. أحد المعاني الهامة التي يمكن استنباطها من الثورات التي جعلت من عيد الفطر هذا العام مختلفاً هي أنه لا تزال هناك مخاوف وخشية من أن تتحول الثورات العربية إلى فوضى مستمرة، ويدعم هذا الاتجاه أربعة تداعيات أساسية: أولاً: أن الحرس القديم في كل من تونس ومصر ظل يسعى بكل السبل والوسائل إلى احتواء الثورة وتحويل مسارها. ويصطدم ذلك التوجه بأجندة الشباب الذين فجروا الثورة ورووها بدمائهم الذكية والطاهرة. ثانياً: أن المعارضة النائمة هبت من سباتها وأرادت أن تجد لها مكاناً في فضاء الثورة الساطع بأجندة مثيرة للجدل والخلاف والاختلاف مما يشجع على احتدام الصراع والتناحر وربما الاحتراب القبلي والطائفي. ثالثاً: أن الثورتين في سوريا واليمن لم تحسما بعد ولما يتم حسمهما. والمشاهد في سوريا واليمن مفزعة وتدعو للتفجع والقلق وما ينجم عنه من فوضى عبثية تقضي على طموحات الثوريين الشرعية والمشروعة. رابعاً: تهديد القذافي وهدير وأنجاله وسدنة النظام لا تفتأ تشكل أخطاراً واسعة النطاق على مستقبل الثورة الليبية وتحويلها إلى حرب عصابات ضارية وطويلة الأمد. وعلى إثر هذه التداعيات فإن الواقع يتطلب الحفاظ على المخزون الذي رسبته الثورات، ومده بالفكر الخلاق لكي يمضي النضال الشعبي بثبات نحو التغيير المنشود، وسد الطريق أمام الذين يحاولون تشويه الفعل الثوري وسرقة رصيده الثمين وإحالته إلى ركام من الخراب والدمار المهين. لم تعد الجماهير العربية تردد ما قاله المتنبي: عيد بأي حال عدت يا عيد، وعوضاً عن ذلك فإنها تُذكر الرؤساء العرب المخلوعين بما قاله المعتمد بن عباد حاكم قرطبة الذي دار عليه الزمان، بعد زوال حكمه وأتاه العيد في سجنه في أغمات: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا = وكان عيدك باللذات معمورا وكنت تحسب أن العيد مسعدة = فساءك العيد في أغمات مأسورا