14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين تياراتنا الفكرية والسياسية..الوهم والحقيقة

04 أغسطس 2016

تعيش الأمة هذه الأيام وهم العداوة بين تياراتها الفكرية (الإسلامية والعلمانية والوطنية والقومية والتقدمية والاشتراكية..) ثم بين مذهبياتها وطائفياتها (السنة والشيعة والدروز والنصارى والصابئة واليهود الوطنيين..) رغم الفترات التاريخية الكثيرة التي استطاعت فيها أن تتعايش بسلام ووداد وتفاهم خدم مجموع الأمة ووجودها وسيادتها أكثر بكثير مما تصارعت وتناقضت وأفسدت ذات بينها في القديم والحديث. ولست أنكر هنا أصل الخلاف بين هذه المكونات؛ ولكن الذي أنكره وأستنكره هو أن يصير مستحيلا الاجتماع والتفاهم بينها - في بلادنا - وأن تترجح المصلحة في تصارعها على المصلحة في التلاقي والتعاون وأن يغرق المثقفون والنخبة من كل هذه الأطياف في جدلية صراع يفترض أنه مُصدّر أساسا للعقليات الشعبوية وليس لهم وأن تتحول هذه الخلافات إلى صدامات تناقضية دموية وتكفيرية دائما وأن ينظر كل تيار لأسوأ ما في الآخر وأن يقيسه على صورة ذهنية موهومة أساسا وألا نلتفت للمستفيد من هذا التصعيد غير الواعي. فهلا رأينا وتبصرنا في علاقة هذه التناقضية بالخارج وفي تموقع أعداء الأمة وتوابعهم من النظم الفاسدة المستبدة وعملائهم منها؛ الذين صاروا يلعبون على المكشوف في تحريك هذه النسب والسيطرة عليها وتوظيفها لفسادهم واستبدادهم ومصالحهم وعلاقاتهم ما لم يبق شبهة حجة لمن لا يزالون غافلين أو متغافلين عن المجريات والمخاطر كما وضح ذلك جليا في الانقلاب الأخير في مصر، وفي محاولة الانقلاب في تركيا ثم في التزلف للعدو الصهيوني وقطع خطوات في التطبيع معه. فإن عدنا نبحث عن الصواب في ذلك كله ونتلمس المخرج فثمة حقائق أراها حاكمة في هذا المقام وأعتقد أننا بقليل من التوازن والنظر في المدى لن نختلف عليها.. من ذلك: 1 - أن في كل تيار متهورين موتورين متطرفين عاطفيين تكونت شخصياتهم ومصالحهم على التزمت في التزام الاتجاه وعدم البحث عن القواسم والتلاقيات..هؤلاء يبرزون في البدايات عادة حيث مصلحة كل تيار مستجد أن يبحث عن الفوارق وأن يشكل بديلا يعطيه مبرر الانطلاق والاستجداد.. ولكن هؤلاء يصلحون لفترة وليس أبدًا بالأخص في الأحوال الاستثنائية التي يبحث فيها عن التلاقيات الاضطرارية..مشكلتنا أن هؤلاء يتحولون عادة إلى أساتذة وأبوات مقدسة يمسكون بالقرار ويتشبثون بموقعهم بقدر ما تصير مخالفتهم والتصويب لهم قلة أدب وخروجا على الثوابت وبقدر ما يصيرون عند الأمم الواعية رموزا للبدايات فقط. 2 - أن في كل تيار قلة من عملاء ومرتزقة - وكل تيار يعرف قلته ويستطيع أن يعزلهم وأن يستثنيهم - ولكنه لا يفعل إما لأنهم ينفعونه ويمررون له في جهة ما - غالبا الرسمية - أو لأنهم يناطحون عنه في الجهة الأخرى..مع أن كل التيارات تلتقي على ما لو انشغلت به وكثّرته واستثمرته لم تجد وقتا لسواه؛ فإذا أخذنا مثالا لذلك الصراع القائم بين السنة والشيعة فسنجد الطرفين يلتقون على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحب آل البيت..إلخ، أو أخذنا نموذج القومية والإسلامية فإنهم يلتقون على استقلال الأوطان وعلى العدالة الاجتماعية فضلا عن الإسلام كدين يتردد بين علاقة كلية شمولية عند الإسلاميين أو خصوصية روحية عند العلمانيين. 3 - أن إنهاء الخلافات أو ترحيلها ليس بالضرورة أن يكون بالتنازل عنها أو عن كل الفكر وكل المصالح وعن مبرر الوجود أو بالتطابق مع المخالف في كل شيء..هنا يجب أن تُصعّد مهارات التفاوض وأن توسع مساحات التنازل وأن يرج لفكر التقاسم والنسبية وأن يسود منطق إدارة الأزمة بدلا من منطق الصراع الذي يستطيعه حتى الأطفال. 4 - أن وسائل التواصل اليوم قادرة على معالجة بل إنهاء الكثير من سوء الظن بين التيارات؛ وما الذي يمنع رئيس تيار أو مفكرا فيه أن يتواصل مع نظيره ونظرائه وأن يرتقوا من قلة إلى كثرة ومن فكرة إلى منهجية. آخر القول: أعلم أن ما أطرحه هنا مجرد فكرة نظريتها أكبر من واقعها وجدواها أكبر من إمكاناتها ولكنها مرحلة استثنائية هي التي تفرض التفكير بطريقة استثنائية لجمع الأمة وتخليصها من مصير أسود بتنا نراه رأي العين.