12 سبتمبر 2025

تسجيل

أطباق طائرة في رمضان

04 أغسطس 2013

في أيام الطفولة والصبا كنا نشعر برونق خاص لشهر رمضان المبارك، فيدخل قدومه البهجة على قلوبنا، إذ نعيش فيه مع عوائلنا أجواء جديدة تختلف عن الأجواء الرتيبة الدائمة. وكثيرة هي الصور الراسخة في ذاكرتنا وخيالنا عن رمضان الطفولة والصبا، مشهد التعبد والتهجد والدعاء في المنزل من اهلنا، حيث المواظبة على قراءة القرآن الكريم بصوت مسموع في الصباح والظهر والمساء، وكذلك صلاة النوافل والسنن والتحري عن ليلة القدر والاعتكاف وصلاة التهجد في المسجد، ولا يغيب عن ذاكرتنا أبداً الدعاء الذي يتلوه عادة رب الأسرة قبل الإفطــــــار (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إنْ شاء الله).. بعدها تبدأ العائلة بتناول الطعام بأنواعه وأشكاله، وكان من الضروريات تهيأة أقداح اللبن والعصــــائر (كعصير قمر الدين والتمر هندي وغيرها) من تلك الصور الرمضانية التي تحتفظ بها الذاكرة اصطحاب الوالد لأولاده لمجالس الوعظ والإرشاد الديني بعد العشاء من ليالي رمضان، ولا أزال أتذكر كثيراً من المواضيع الدينية في أصول الدين وفروعه وسيرة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل بيته التي كنت استمعها في طفولتي في تلك البرامج الرمضانية الرائعة. ولكن من أهم البرامج الاجتماعية الجميلة التي كنا نسعد بها كأطفال في شهر رمضان المبارك، دورنا في تبادل أطباق الطعام قبل الإفطار بين بيوت الأقرباء والجيران، فكانت مائدة الإفطار في البيوت غالباً ثريّة بتعدد أطباق الطعام، نتيجة الإهداء المتبادل، ما يعزز التواصل والتحابب بين البيوت والأسر.. بالإضافة إلى تبادل صحون الحلويات وأباريق العصائر المعمولة في البيوت والتي عادة ماتتناولها العوائل أثناء جلوسهم مجتمعين بعد العودة من صلاة التراويح.. إن هذا البرنامج الاجتماعي له مغزى عميق ومدلول رائع كونه يعبر عن أصالة النفوس وكرمها أولاً، بالاضافة تعزيز أواصر المحبة بين الجميع ثانياً، وكذلك فأنه يسعف العوائل المتعففة ثالثا، والتي ربما قد لا تتمكن من توفير أنواع معينة من الطعام.. وبالتالي ستدخل الفرحة لتك العائلة وخاصة الأطفال. أليست طريقة رائعة في التعبير عن الحب والتواصل؟ إنها الأطباق الطائرة التي قد لا تتجه إلى البيوت فقط بل قد تتجه إلى باحات المساجد لتجد من يتلقفها من الفقراء والمساكين وعابري السبيل.. يشبعوا جوعهم ويرووا ظمأهم.