14 سبتمبر 2025

تسجيل

حسني لم يبقِ موضعا للشفقة عليه

04 أغسطس 2011

في نوفمبر من عام 1995 وإذ كان التلفزيون الصهيوني يبث على الهواء مباشرة مراسم تشييع جنازة الهالك رئيس وزراء العدو – رابين - الذي قتله إيغال عمير على خلفية توقيع اتفاقية التسوية ما اعتبر – صهيونيا – تنازلا محظورا.. وكان المشهد الإعلامي غاية في التأثير.. إذا بأحد الحاضرين تسبقه عبرته فيبكي.. التفت إليه الجميع مستنكرين عليه ذلك.. فتنبه معتذرا بأن المشهد إنساني من الدرجة الأولى فالموسيقى والمشية العسكرية والكلمات التي يؤبن بها والحضور بما فيه – للأسف - بعض العرب والحزن الذي جلل الوجوه.. كله مشهد درامي بليغ.. جعلت أخانا (البسيط الساذج) ينسى أن رابين رئيس وزراء العدو وهو أحد القادة الصهاينة الذين دخلوا القدس يوم احتلالها في ال67، وهو صاحب نظرية تكسير عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى، وصاحب مقولة " ليس عندنا مواعيد مقدسة " للتهرب من الالتزامات والاتفاقات.. ذات المشهد أراه اليوم من بعض البسطاء والسذج الذين أخذتهم الرأفة بحسني مبارك الرئيس المصري الساقط إذ يرونه يساق إلى المحكمة.. يتكرر المشهد ونرى البعض يبكيه وتأخذهم الشفقة والرأفة.. أحدهم يقول (أنهي رئيس دولة يتعمل فيه كده؟ أيه الحقد ده كله؟).. هؤلاء ربما لم تطلهم جرائمه وأغلب الظن أنهم لم يعيشوا هموم أمتهم ولم يتذوقوا مرارة قتل الوطن وإفساده وتوطئته للأعداء.. هؤلاء قطعوا لحظة الحساب عن كل ما قبلها.. رأوه يزاح عن الحكم ويزال عن الملك ثم يعتقل وأولاده وزوجته ويحقق معهم ثم هم يرونه اليوم يحاكم عبر الفضائيات ويرونه وقد تخلى عنه الأتباع والانتهازيون الذين كانوا يعدون بالملايين وكانوا ينافحون عنه ليل نهار.. ولسان حال كل منهم اليوم "تبعد عن راسي وتطب ".. إلى هؤلاء الذين قد تأخذهم رأفة في حسني وأبنائه وأهله وحاله.. أقول: أولا: بقدر ما الرأفة والرحمة والإشفاق هي عواطف إسلامية دالة على إنسانية وقوة عالية لدى من يحس بها.. هي ذاتها قد تكون نقصا وعيبا ودلالة على الضعف إذا تعارضت مع مقتضى الإيمان ومع مقتضى الوطنية كما هو الحال في قضية المشفقين على حسني وذاك الذي بكى على رابين المجرم.. هذا الإحساس السلبي (الإشفاق في غير محله) نهى الله تعالى عنه في حق الزاني إذا ثبت عليه الجرم وجيء به للعقوبة فقال تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) –النور 2 – لنلحظ عبارة (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر..) ولنر كيف أن الرأفة بالزاني مرفوضة وأن عدمها هو الدليل على الإيمان! فإذا كانت جريمة الزاني على قبحها وبشاعتها ولكنها زلة قد يقع فيها صحابي وأحسن الناس وقد وقع فيها ماعز والغامدية الصحابيان.. فكيف بجرائم الخيانة ونهب الأموال وتوطئة مصر كلها والأمة كلها للعدو ومصالحه ومقتضيات أمنه كما فعل حسني هذا؟ على ذلك فالرأفة هنا هي دلالة ضعف شعور بالوطنية بالانتماء للأمة وقلة إحساس بقيمة الاستقلال لا يجوز أن يتسلل إلى قلب بريء.. ثانيا: هؤلاء الطيبون الضعفاء نذكرهم بأن حسني لم يكن مجرد حاكم طاغية ولكنه كان حاميا وجزءا من برنامج صهيوني كبير.. كان فاعلا فيه إلى درجة أن يقول عنه الإرهابي إيهود أولمرت رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق الذي حرق غزة قبل سنتين في مقابلة له مع صحيفة جيروزاليم بوست: عندما أفكر فيما يمكن أن تكون عليه الأمور لو أننا نتعامل مع أشخاص غير مبارك أصلي يوميا من أجل سعادته وصحته.. أليس هذا هو عين الرضا؟ فإن كان فعلام رضي عنه اليهود؟ أليس هنا يجدر التذكير بقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فأين حسني هذا من ملتهم؟ لقد تحسرت عليه " إسرائيل " واعتبرت دعوة الرئيس الأمريكى له بضرورة " رحيله سريعاً " بأنها كانت " خيانة " للدولة اليهودية التي عمل مبارك جاهداً للحفاظ على أمنها.. وهل يجوز أن ننسى أنه لم يكن يأبه لغضب كل المصريين من ممارسات إسرائيل في المنطقة؟ أو ننسى أنه أقام علاقات تعاون استراتيجي مفتوح مع كل حكوماتها المتوالية وسهل لها إقامة علاقات ومصالح مع الكثير من الدول العربية؟ وأنه سمح للصهاينة بالدخول إلى أي مكان في مصر والاستمتاع بالسياحة فيها، أو ننسى أنه كان يحتقر من ينفذ عمليات مقاومة ضدهم ويصف هذه العمليات بـ"الإرهابية"؟ أو ننسى أن ثلاثمائة مريض فلسطيني قضوا وماتوا تحت حصاره دون أن يرف له جفن في قسوة لا تناسب إلا قلوب الذين قال الله تعالى فيهم (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة..) هؤلاء الطيبون الضعفاء نذكرهم أيضا بأن حسني جاهد مستميتا لتخليص الإرهابي الأسير لدى حماس – شاليط – بما لم يفعله ولم يجتهد فيه رؤساؤه وحكوماته.. لهذا فمحاكمته ليست محاكمة شخص بقدر ما هي محاكمة مرحلة سوداء في التاريخ المصري ومحاكمة برنامج خيانة متجسدا في رجل اخترق موقع رئاسة الجمهورية الأكبر.. ثالثا: لقد حوكم صدام حسين وأعدم على الملأ وبصرف النظر عن ماضيه " الظلامي " لكن الكثيرين ممن يأخذون عليه ذلك الماضي يتفقون على أنه في الفترة الأخيرة من حكمه كان معارضا عنيدا في مواجهة البرنامج الأمريكي للمنطقة ولا يختلفون على أنه حوكم وأعدم ليس لأنه غزا الكويت ولا لأنه قتل الأكراد أو الشيعة أو لأنه حارب الإيرانيين، ولا لأنه ظلم العراقيين.. ولكن لأنه واجه الغرب بما يكره، ولأنه تجرأ على قصف " إسرائيل " بصواريخ سكود.. لقد حوكم صدام ثم أعدم في يوم العيد ولم يمهلوه ليتم النطق بالشهادتين.. في موقف غاية في الكيد والنكاية وفي محاولة لهزيمة شعور ووعي كل من رفضوا الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق ودون مراعاة لمشاعر الجماهير العريضة المتعاطفة معه والتي تملأ وطننا في الجهات الأربع.. ذلك دليل على أن المعركة صارمة وأنها في غاية الجدية.. وها قد جاءت الفرصة ليرد الشعب المصري وبالنيابة عنا جميعا الصاع صاعين لأولئك الأشرار الذين ينتسب لهم ولمعسكرهم ولكيدهم حسني الأثيم.. محاكمة يجب أن تكون بحق " محاكمة العصر " وعلى كل الذين لهم رأي أو قرار في إخراج هذه المحاكمة شكلا ومضمونا أن يتعاملوا معها بهذا المستوى وأن يتذكروا أن أمتنا في طور استعادة وصياغة تاريخها وذاتها وهويتها وأنها محتاجة في هذا الصدد لانتصارات من هذا النوع في هذا الزمن الذي يمور بالثورات الشعبية.. رابعا: إن محاكمة حسني وإن تشابهت شكلا بمحاكمة صدام فلن تكون مثلها وشتان بين الرئيس صدام الذي طلب المجد بمواجهة أكثر من ثلاثين دولة استعمارية على رأسها أمريكا وبريطانيا ثم حاكمه أعداء شعبه وكان يؤخذ ويعاد بضبط أمريكي فكانت محاكمته من أولها إلى آخرها جزءا من الغزو والاحتلال وأصبح في نظر عامة الأمة باتجاهاتها وأعراقها ومذاهبها مجاهدا مناضلا وبطلا تاريخيا ثم أعدم وهو في قمة ألقه واعتداده بذاته وقيمه ليصير بعد إعدامه شهيدا.. وبين هذا الحسني الذي يحاكمه شعبه وثورته الوطنية، ويقاد لها ذليلا خاسئا متمارضا متماوتا لا يبكيه إلا العدو وقلة من المنتفعين أو السذج المسطحين!! وأقول: ما يجري لهذا الطاغية الأثيم هو سنة من سنن الله تعالى في الظالمين والفاسقين والمجرمين وهو جزاء عدل لشخص أفسد في الأرض وحال بين الناس وبين دينهم ووطنيتهم وأخلاقهم، لكل ذلك فإن الواجب يقتضي من كل مؤمن ومن كل وطني أن يفرح به لا أن يحزن أو تأخذه الشفقة في غير محلها، وعلى كل المصريين والمجاهدين والوطنيين أن يروا في محاكمته ثأرهم ونصرهم وأن تشفى به صدورهم..