18 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن المكان يخلو من الضجيج... طفل يصرخ هنا...وآخر يتشاجر هناك.. وثالث لا يتوقف عن الطلب...ورابع يطيل صوت التلفاز باستمرار.. وأخيراً صوتها يعلو... تصرخ على هذا..وتعاقب ذاك...وتضرب ذلك.. إنهم لا يهدأون البتة....وهي لا تجد وقتا للراحة.. ما هذا يا إلهي ؟!! متى أرتاح؟!! متى ؟!! أصبح اليوم يتحرك بوتيرة واحدة ، تحرمها فرصة البقاء وحيدة للحظات... المدارس ، التدريس، متابعتهم ، وفض شجاراتهم أو تسليتهم، وأين هي من كل هذا ؟!!! لقد تعبت من هذا الإزعاج ، متى ينتهي كل هذا ؟!! متى؟!!.. وضعت القلم وأزاحت الستار المنسدل أمامها لتحدق في الخارج للحظات وقد سرحت بخيالها بعيداً ، قبل أن تعاود التقاط قلمها لتخط ما تبقى من مشاعر في عقلها المرهق.. (( كفى..كفى..كفى..)) يتردد صدى صرختها لعدة مرات في اليوم الواحد بتلك الكلمات حتى قاربت على الانفجار. انفجار ؟!!! ليس انفجارا ، بل قاربت على ضرب رأسها بالحائط من شدة ما تعانيه... من قال إن الزواج سعادة وراحة بال ومال وبنون ، وأنه غاية كل من يسعى للسعادة الأبدية ؟!! إنها منذ استيقاظها وحتى نومها بالكاد تجد الوقت لتمشيط شعرها. توقفت عن الكتابة مجدداً وهي تسرح بنظرها عبر النافذة التي تزين جزءا من جدار غرفتها، ولم تشعر بتلك اليد التي امتدت لتستقر فوق كتفها، لكنها لم تقفز أو تنظر حتى خلفها، فلا يوجد من يعيش معها سواه، زوجها المسن. نهضت لتصبح أقرب للنافذة محدقة أمامها وقد غشى عينيها طيف حزن عميق ... يالها من حديقة غناء!!! فالفناء الخلفي لمنزلها يكتسي بخضرة لا متناهية ، خضرة مريحة للنظر ، وقد تناثر في أرجائها عدة ألعاب ملقاة بإهمال شديد ، لكنها كانت بالنسبة لها مجرد كابوس يجثم على أنفاسها، بعد أن أصبحت الحديقة مكاناً مهجوراً لا تطأه سوى أقدام أحفادها، كلما سمحت الظروف لأبنائها بزيارتها.... لقد أصبح الصمت هو ما يخيم على حياتها، وهو صمت مؤلم، يشعرها بالوحدة التي طالما سعت إليها في مشوار حياتها مع أبنائها .. فعلاً لقد كان الزواج والحياة الأسرية هي الراحة والسعادة الأبدية، والتي فقدت طعمها مع مغادرة آخر قطعة منها إلى منزله ليبدأ حياته الزوجية بدوره. ألا ليت الماضي يعود قليلاً لتستبدل كل لحظة صراخ فيه بكلمة حنونة... وكل عقاب بنصيحة... وكل ضربة بضمة إلى قلبها المثقل بهم الفراق.. ألا ليتهم يعودون لها يوماً ، كما كانوا في بداية حياتهم، ممسكين بيدها خطوة بخطوة، وبكل حرف ليصبح كلمة، وكل خيال ليصبح واقعا أو فكرة... ألا ليتهم يعودون يوماً ، ولن تكون هي أبداً الأم النكدة ، الغاضبة ، الكارهة لحياتها ... ألا ليتهم يعودون !! ألا ليتهم يعودون !!! انتشلت نفسها من حزنها وهي تبتعد عن النافذة، محاولة اجتراع تلك الذكريات التي تفيض بها صباح كل يوم ومنذ لحظة استيقاظها. وبنعومة..انسدلت الستارة خلفها على سطح النافذة الزجاجي .