12 سبتمبر 2025

تسجيل

صور مشرقة

04 يوليو 2016

هذه صورة مشرفة، للعالم القاضي المنصف، المنذر بن سعيد الذي علا ذكره زمن الملك الناصر بالأندلس وقصته مع الملك الناصر تتلخص في أن الناصر كان كلفا برغبات إحدى نسائه، فبنى لها قصرا جميلا، ثم عنَّ له توسعة شرفاته، فأراد شراء دار لبعض الأيتام مجاورة للقصر، وعرض بعض المال ثمنا لها، ولكن الوصي رفض البيع إلا بإذن من القاضي (المنذر) فبعث الخليفة إلى القاضي لإنفاذ البيع، فأخبر المنذر رسول الخليفة أن المال الذي عرضه الخليفة أقل من المعقول فإذا زاد الخليفة المبلغ أنفذ البيع.استدعى الناصر القاضي وناقشه في هدم الدار، فقال المنذر لقد هدمتها بقول المولى عز وجل: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا)، وأنت لم تقدرها بمال معقول، وقد بعت أنقاضها وحدها بأكثر مما عرضت، وبقيت الأرض للأيتام.. فتدبر الخليفة الأمر قليلا وأدرك صدق نية القاضي وشجاعته في الحق، فقال: "نحن أوْلى بالانقياد للعدالة، فجزاك الله خيرا يا قاضي الجماعة عن العدل والإسلام".ومن أخبار المنذر بن سعيد المعروفة مع الخليفة عبدالرحمن الناصر ما جرى له بشأن القبيبة الذهبية، وقصتها أن الخليفة كان كلفا بالعمارة الأرضية، فاقتضى به الإغراق في ذلك أن اتخذ لسقف القبيبة بقصر الزهراء قراميد مغشاة ذهبا وفضة أنفق عليها أموالا طائلة، وقرقد سقفها بها، فجاءت آية في الفخامة والأبهة. وجلس الناصر يوما فيها، إثر إتمامها، مفاخراً بما صنع وقال: هل رأيتم أو سمعتم ملكا كان قبلي فعل مثل فعلى هذا أو قدر عليه؟ قالوا: لا يا أمير المؤمنين، وإنك لواحد في شأنك كله.. فأبهج الناصر هذا الثناء، وبينما هو كذلك دخل عليه القاضي منذر بن سعيد وأخذ مجلسه، وظهر للجميع منه حال الوجوم، ويبدو أن الناصر أراد أن يذهب وجومه فسأله عن رأيه في السقف المذهب الذي لم يصنع أحد مثله من الملوك والسلاطين من قبل، إلا أن الجواب من القاضي كان دموعا غزيرة راحت تبلل لحيته، وكانت كلمات نزلت على مسمع الخليفة كالصواعق فقد قال بصوت متهدج: "والله يا أمير المؤمنين، ما ظننت أن الشيطان- لعنه الله- يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه منك هذا التمكين، مع ما أتاك الله من فضله ونعمته، وما فضلك به على العالمين؟ حتى ينزلك منازل الكافرين؟ فانفعل الخليفة، وقال مغاضبا، انظر ماذا تقول؟ وكيف أنزلتني منزلتهم؟ فقال المنذر: نعم أليس الله يقول: "ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون" "الزخرف : 33".فوجم الخليفة وأطرق ملياً، ثم أخذ يبكي في هدوء.. ثم أقبل على المنذر وقال له: "جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً، وعن المسلمين والدين أجل جزائه، وكثر في الناس أمثالك، فالذي قلت هو الحق" وقام الخليفة من مجلسه ذلك وأمر بنقض سقف القبة وأعاد قرميدها ترابا على صفة غيرها.