11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل غلق المساجد هو الحل؟

04 يوليو 2015

ماذا يدفع بشاب في مقتبل العمر، متفوق في دراسته، محبوب بين زملائه ومحيطه وعائلته لأن يتحول فجأة إلى سفاح وإرهابي ومتطرف لقتل الأبرياء وتدمير قطاع السياحة في تونس في بداية الموسم السياحي، والجميع لا يزال يتذكر جريمة متحف "الباردو"، التي مازالت جراحها لم تندمل بعد والتي مازالت أثارها تهز حالة الوضع الأمني في البلد. جريمة فندق "أمبريال مرحبا" تثير عدة تساؤلات ونقاط استفهام. الجريمة تعني بكل بساطة أن هناك خلايا إرهابية تنشط داخل تونس وبالتعاون مع مثيلاتها في دول الجوار. أن هناك شبابا يتنقل ويسافر خارج تونس دون رقابة ولا متابعة من قبل الأجهزة الأمنية. يجب التذكير هنا أن هناك أكثر من 5000 شاب تونسي ينشط في داعش. من جهة أخرى ونظرا لقلة التجربة نلاحظ أن هناك نقصا كبيرا من قبل السلطات التونسية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة كل المرافق التي قد تكون مستهدفة من قبل الإرهابيين. فالشاب الذي نفذ جريمة الفندق تصرف بكل حرية وصال وجال كما شاء ما يعني أن هناك تهاونا كبيرا وعدم أخذ الموضوع بجدية. وهنا يجب على السلطات التونسية أن تعي أن كل فرد بإمكانه أن يكون إرهابيا، قد يكون من موظفي الفندق أو خارجه قد يكون سائحا من بين السياح، باختصار كل الاحتمالات واردة والحيطة مطلوبة والاستعداد لكل الاحتمالات والطوارئ أمر واجب. صحيح أن تونس تعتبر من النماذج الناجحة من بين دول الربيع العربي حيث إنها خطت خطوات كبيرة نحو الديمقراطية وثقافة التسامح والتناوب على السلطة. تونس بلد تتوفر على مجتمع مدني نشط وعلى حس وفكر متطور عند سياسييها وشعبها. تونس تبقى البلد الذي تستهدفه قوى الظلام لأنه حقق الكثير في ظرف وجيز وبأقل الأضرار ما يعني أن الحذر والحيطة مهمة جدا كما أن ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مكاسب الثورة هي خطوة إستراتيجية يجب أن تحظى بأكبر اهتمام ممكن من الدولة. المتابع لما حدث لتونس مؤخرا يطرح عدة استفسارات وتساؤلات من أهمها لماذا أقبل الشاب على فعلته وكيف تشبع هذا الشاب بأفكار التطرف والإرهاب وأين كانت أسرته ومحيطه والأمن التونسي؟ ما هي الأسباب والدواعي؟ وماذا تعلمت تونس من حادثة باردو حتى تتكرر حادثة سوسة؟ ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها السلطات لحماية البلاد والعباد من خطر الإرهاب الفتاك الذي يقضي على أهم شيء يبحث عنه الإنسان فوق هذه الأرض وهو الأمن. مما لا جدال فيه هو أن عدو السياحة في أي بلد في العالم هو انعدام الأمن والسائح أينما كان وأينما حل يبحث عن الراحة والاستجمام والأمن والأمان وفي غياب هذه العناصر فإنه بكبسة زر يغير اتجاهه نحو دول أخرى تتوفر عما يبحث عليه. السؤال الذي يُطرح هنا هو ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة آفة العصر؟ وهل في المقام الأول تم تشخيص الداء لتوصيف الدواء؟ هل بحثت تونس وغيرها من الدول التي تعاني من الإرهاب في أسباب هذه الآفة؟ لماذا أقبل الشاب الذي فعل فعلته وهو المتفوق في دراسته وطالب الماجستير؟ فكيف استطاعت قوى الظلام أن تغر به وتجره إلى دروب ودهاليز الإرهاب والتطرف وثقافة الحقد والكراهية وإقصاء الآخر؟!. إن رد السلطات التونسية على الحادث بغلق المساجد وبعض الأحزاب والجمعيات الدينية يوصف بالمبادرة التي قد تفرز إرهابيين جددا ورد فعل قوي من الطرف الآخر. فلماذا غلق المساجد بدلا من استرجاعها والإشراف عليها واختيار أحسن الأئمة والعلماء والدعاة ورجال الدين لنشر التسامح والقيم السمحاء للدين الحنيف حتى تتم عملية حماية الشباب من الفكر المتطرف ومن الأفكار الهدامة للقاعدة وداعش وغيرها من قوى الظلام. إن عملية معالجة العنف بالعنف والقوة والردع أثبتت عبر التاريخ أنها لا تصلح ولا تفيد في شيء. الإرهاب هو مرض يبدأ في فكر الإنسان وإذا استطعنا أن نحمي ونحصن الشباب من التطرف والإرهاب ذهنيا وفكريا وأيديولوجيا فلا أحد يستطيع أن يغرر بهم ويجعلهم ينتقمون من الأسرة والحي والمجتمع والدولة. إن محاربة الإرهاب والفكر المتطرف بالاعتداء على الحريات الفردية وخصوصيات الأفراد وحقوقهم قد يؤدي إلى نتائج عكسية وهذا ما وقعت فيه العديد من الدول كأمريكا والجزائر ومصر..إلخ. كان من الأجدر أن تستفيد تونس من تجربة الجزائر هذا البلد الذي عانى العشرية السوداء ودفع ثمنا غاليا بشريا وماديا. ظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة وخطيرة ولها أبعاد متشابكة محلية وإقليمية ودولية وعليه يجب النظر في معالجتها بدراسة متأنية ومنهجية وباستمرارية وبمثابرة. فالتعامل مع الإرهاب برد الفعل والانتقام والردع والعنف والحقد والضغينة لا يكون في غالب الأحيان الحل الأمثل. فالمشكل ليس مشكل قوة بقدر ما هو مشكل فكر وعقيدة وأيديولوجية. فالسلطات التونسية يجب عليها أن تتساءل كيف استطاعت قوى الظلام أن تخطف منها شابا جامعيا متفوقا وتغّر به وتجرّه إلى تبني أفكار التطرف والعنف والحقد والكراهية والانتقام من الآخر بغير حق. كان من المفروض أن تستفيد تونس من تجربة متحف "الباردو" وأن تأخذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية المرافق السياحية والشواطئ وأن لا تترك أي شيء للصدفة. فالإرهاب يوجد في كل مكان والكل بإمكانه أن يكون إرهابيا. لتعلم السلطات التونسية أن قوى الظلام لا تريد النجاح للتجربة الديمقراطية الجديدة في تونس ولا تريد أن تشاهد تناغما وتكاملا وتلاحما من مختلف الأطياف السياسية في البلد. في تونس اليوم هناك من يرى ضرورة استعمال القوة والردع للقضاء على الإرهاب ومنهم من يشيد بالنظام البوليسي لزين العابدين بن علي. وهناك من يرى أن محاربة الإرهاب لا يجب أن تعني القضاء على مكتسبات الثورة والقضاء على الحريات التي كانت مفقودة في عهد النظام السابق. كما يجب أن نذُكر هنا أن تونس عانت من عمليات إرهابية في عهد بن علي، كما أنها عانت من سلسلة من العمليات الإرهابية بعد الثورة منها اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي واغتيال أفراد الجيش في الشعانبي وهجوم باردو، لكن تونس مازالت تحاول التوفيق بين منجزات الثورة ومكاسبها من الحريات والحقوق، وبين ضبط النظام العام والأمن ومنع الانزلاق نحو مستنقع الإرهاب، معادلة تتطلب الكثير من الحنكة والتبصر والوسطية والاستفادة من دروس وتجارب الآخرين. ظاهرة الإرهاب موضوع أعقد بكثير مما يتصوره الكثيرون، فهو ظاهرة مركبة متعددة العوامل والمتغيرات ولا يجب النظر في حلها من خلال غلق بعض المساجد واعتقال كل ملتح أو كل من يصلي صلاة الفجر في المسجد. هذه الإجراءات استعملتها دول عانت من الإرهاب لكن من دون فائدة فالعنف يوّلد العنف ومحاربة التطرف والإرهاب بالقوة والضغينة والحقد والكراهية تؤدي إلى نتائج عكسية. فتونس اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى إستراتيجية واضحة وشاملة للتعامل مع ظاهرة الإرهاب أمنيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا ودينيا...إلخ. ومن أهم الحلول التي يجب اعتمادها فتح حوار صريح ومباشر مع الشباب لدراسة المشاكل التي يعاني منها والحلول الناجعة لحماية هذا الشباب من الجماعات الإرهابية التي تعمل على استقطابه والغر به لتنفيذ خططها ومشاريعها.