11 سبتمبر 2025

تسجيل

الطاغية الكذاب

04 يوليو 2015

الرحمة صفة الأنبياء، والله تعالى يقول لنبيه: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وهذا يثبت كثيرا من مصداقيتهم وقبولهم لدى المجتمع، أما أن يكون النبي قاسيا غليظا، فذلك من أمارات الكذاب، وهو ما اتسم به الطاغية الأسود العنسي الذي كان يعذب معارضيه، فبدأ بالنعمان الذي كان حبرا من أحبار اليهود ثم أسلم وكان يقول للنبي –صلى الله عليه وسلم – بشارات التوراة في مبعثه، وهو الذي وقف في وجه الأسود لما كذب وادعى النبوة فقتله الأسود بعد أن عذبه وقطعه إربا إربا وهو حي.واليوم مع صورة من صور الطغيان، حيث سيقدم هذا الكذاب على تعذيب أبي مسلم الخولاني بالحرق ولكن سيجعل الله لأبي مسلم أية تفضح الكذاب، حيث ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب عن شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود ابن قيس بن ذي الخمار تنبأ باليمن فبعث إلى أبي مسلم، فلما جاءه قال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم قال أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمداً رسول الله قال: نعم فردد ذلك عليه كل ذلك يقول له مثل ذلك، قال فأمر بنار عظيمة فأججت ثم ألقي فيها أبو مسلم فلم تضره شيئاً قال: فقيل له: أنفه عنك وإلا أفسد عليك من اتبعك. قال فأمره بالرحيل فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد ودخل المسجد وقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر بن الخطاب فقام إليه فقال ممن الرجل قال: من أهل اليمن قال: ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار؟. قال: ذلك عبد الله بن ثوب قال: أنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم. قال: فأعتقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله عليه السلام.ويلاحظ أن الكذاب عمد إلى شخصيات بارزة في المجتمع معروفة بتدينها مثل النعمان وأبي مسلم الخولاني، وهو يريد أن يستقطبهم كما استقطب غيرهم، حتى يضمن استقطاب العوام بسهولة، ولكنه لما خذل فيهم، أراد أن يعذبهم ويقهرهم، فلم يخافوا، بل جاهدوا أفضل الجهاد بأن قالوا كلمة حق عند سلطان جائر، ولما وصل في القمع ذروته وأحرقه فلم يصب من حريقه بشيء، خشي أن يتبعه الناس ويتفضوا عنه فنفاه خارج اليمن، وهذا هو مبدأ الطغيان الذي يعجز عن الحجة والبرهان، فيلجأ إلى القتل والسجن والنفي، ولكن تظل مبادئ أصحاب العقل والحق لعنات تطارد الكذاب الطاغية وتتوارثها الأجيال، فتكون أكبر أثرا وأجدى نفعا.إن الداعية قد يكون مثرا في خطابته ولكن تأثيره يكون ضعيفا، ولكنه عندما يكون صاحب مبدأ يدافع عنه في وجه الباطل يكون أكثر تثبيتا للعوام وأعمق في قلوب من يسمع بأخبارهم، وربما يقول جملة قليلة من بضع كلمات تظل نبراسا يهتدى به ومعلما يعشو الناس إلى ضوئه، وهذا ما يمثله لنا موقف أبي مسلم الخولاني ومن قبله الحبر النعمان.