13 سبتمبر 2025

تسجيل

قانون العزل السياسي يعمق الانقسام في تونس

04 يوليو 2013

أقر المجلس الوطني التأسيسي يوم الجمعة 28 يونيو 2013 مبدأ تمرير قانون تحصين الثورة إلى جلسة عامة لمناقشته تمهيدا للتصديق عليه، حيث صوت لصالح هذا القانون 96 نائباً وعارضه 36 نائباً، فيما امتنع 3 نواب عن التصويت. وأثار مشروع القانون الذي كانت حركة النهضة قد تقدّمت به مع شريكها في الحكم «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، و«حركة وفاء»، إضافة إلى كتلتي «الكرامة» و«الحرية» و«المستقلين الأحرار»، جدلاً واسعاً منذ الإعلان عنه، كما تسبب في بروز خلافات جدية داخل حركة النهضة. وينص القانون على منع كافة الفاعلين في النظام السابق من الفترة الممتدة من 7 نوفمبر 1987 وإلى غاية 14 يناير 2011 لمدة 7 سنوات، من الترشح لرئاسة الجمهورية أو عضوية المجلس المكلف بالتشريع أو رئاسة مجالس البلدية أو كل مجلس لديه صفة الجماعات العمومية. كما ينص أيضاً على منع كافة الفاعلين في النظام السابق من تولي مناصب في كافة مؤسسات الدولة بدءاً من منصب محافظ البنك المركزي أو مساعد محافظ البنك المركزي أو قنصل أو سفير أو محافظ أو عضو في الهياكل المركزية في الهيئات الدستورية المعتمدة في الدستور الجديد أو رئيس أو عضو في الهياكل المركزية أو الجهوية في الأحزاب السياسية، بدعوى «حماية الثورة التونسية من الالتفاف عليها من الحزب الحاكم السابق». وكان بعض القيادات «النهضوية» قد عبّر عن رفضه القانون المقترح. فقد أعلن عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة، عن رفضه القاطع لهذا القانون، ولم يتردّد في القول إنه «سيزج حركة النهضة في متاهات أيديولوجية وفي العنف». ومن أبرز المعارضين لهذا القانون رئيس الوزراء السابق الأمين العام لـ «النهضة» حمادي الجبالي الذي اعتبر أن قانون العزل السياسي سيضر بحركة «النهضة» أكثر مما سينفعها، متوجهاً بالنصح إلى الكتلة البرلمانية بعدم التصويت على القانون. بصورة إجمالية، هناك إجماع لدى نشطاء حقوق الإنسان، ومكونات المجتمع المدني التونسي، أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكون عملية تصفية حسابات عمياء أو تجريم جماعي لفئة معينة من المجتمع التونسي لتقديمهم ككبش فداء، ذلك أن حركة النهضة الإسلامية أسهمت في تعطيل مسار العدالة الانتقالية نتيجة نقص الإرادة السياسية عندها، إضافة إلى زيادة التجاذبات السياسية الراجعة بالأساس إلى ظهور مشروع قانون تحصين الثورة، الذي تدافع عنه حركة النهضة بقوة، والذي أصبح قانوناً مُسَّيَساً بامتياز. وكان الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية وجد حلاً أعتقد أنه يمكن أن يمثل حبل النجاة من هذا المأزق الحاد باعتماد فكرة الاعتذار، أي أن يتقدم من يشمله قانون الإقصاء باعتذار رسمي عن المرحلة السابقة وبذلك يمكن شطب اسمه من القائمة ومسامحته سياسياً. ورغم أن هذا الحل محل اختلاف في وجهات النظر بعد أن اعتبره البعض مراوغة وإفراغاً للقانون من محتواه، فإن هناك من يدافع عنه ويعتبره حبلا للخلاص من كل المطبات المتوقعة. ولكن المشكل الذي اعترض فكرة الاعتذار ما تقدمت به العديد من المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرت أن الاعتذار أخطر من قانون الإقصاء نفسه اعتماداً على عدد من التجارب التي تمت في العديد من البلدان. وخير مثال على ذلك ما تم من ملاحقة للنازيين فرغم اعتماد آلية الاعتذار فإن ذلك لم يمنع من التنكيل بكثير من المستهدفين انطلاقاً من أن الاعتذار يمكن أن يعتبر اعترافاً بالمسؤولية على القيام أو المشاركة في الجرائم القديمة، ويتخذ بذلك وسيلة إثبات ضد كل من يعتذر. وحتى إن التزمت الدولة وصدقت في التزامها، فإن لا شيء يمنع الأفراد أو المنظمات من تتبع من يعتقدون في أنهم ألحقوا بهم ضررا مباشرا أو غير مباشر. وكان الشيخ راشد الغنوشي زعيم «حركة النهضة الإسلامية» التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس أعلن تراجعه عن مبدأ «الاعتذار»، الذي اقترحه في وقت سابق، وعن تمسك حركته بمشروع قانون العزل السياسي الذي يُعرف في تونس باسم قانون «التحصين السياسي للثورة». وقال الغنوشي للصحفيين عقب اجتماعه مع رئيس الحكومة المؤقتة علي لعريض، إن حركة النهضة الإسلامية «سحبت الاقتراح المُتعلق بـ«الاعتذار للشعب» الذي كان تقدم به في وقت سابق مقابل عدم الاستبعاد من الحياة السياسية، وذلك للتقليل من وطأة قانون العزل السياسي المثير للجدل. وقد لاقى مشروع قانون تحصين الثورة معارضة شديدة من أغلب الكتل داخل المجلس الوطني التأسيسي لأسباب عديدة. فهناك من يرى أن العدالة الانتقالية وحدها هي المخوّلة للنظر في الأمر وتحديد المسؤوليات حول من ارتكب تجاوزات خلال مرحلة الديكتاتورية السابقة، وهناك طرف آخر يعتقد أن القضاء هو الإطار الأسلم لتدارس هذا الملف المثير للجدل، لكن هناك رأي صائب يمثله الأستاذ الحقوقي قيس سعيد الذي بيّن أنّ الشعب وحده هو المُخوّل للمعاقبة والحكم على من عمل في النظام السابق عن طريق الانتخابات واقترح أن يكون الانتخاب على الأفراد لا على القائمات حتّى لا يحصل ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وكان أبرز المعارضين لهذا القانون هو السيد الباجي قائد السبسي، مؤسس ورئيس حركة نداء تونس، الذي قال في وقت سابق إن قانون تحصين الثورة وضع على مقاسه، فوصفه بالقانون غير الطبيعي، معتبراً أن تحصين الثورة هو مهمة من قام بها وأن من قام بالثورة هم شباب المناطق المحرومة غير المؤطر، وليس له زعامات سياسية احتج من أجل التشغيل والفقر والحرية وليس من أجل نواقض الوضوء. وقال إن استحقاقات الثورة هي صياغة دستور جديد في مدة لا تتجاوز سنة وهي تنظيم انتخابات نهائية تسمح بالاستقرار في البلاد. مضيفا بسخرية: «لكننا حين نسألهم عن الانتخابات يقولون لنا نهاية هذا العام ثم بداية العام القادم وبعد الظهر وبعد العصر». ووصف الباجي الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمتردي، والأمني بعدم المستقر، مؤكداً أن «مواجهة هذه الحالة التعيسة تتطلب وضع اليد في اليد». وقال رئيس نداء تونس إن عدد التونسيين المعنيين بقانون تحصين الثورة يناهز ستين ألفاً وبالتالي سيسهم القانون في تفكيك المجتمع، مؤكدا أنه كان يأمل في عدم تمرير هذا القانون أملا في العودة إلى الرشد. الذي دفع إلى تسريع مشروع قانون حماية الثورة داخل المجلس الوطني التأسيسي، هو حصول الاستقطاب السياسي الحاد في تونس، بين حركة النهضة وحلفائها من الجماعات السلفية التكفيرية، والمليشيات، وشريكيها في الترويكا الحاكمة، وبين «حزب نداء تونس» الذي أسسه رئيس الحكومة السابق الباجي القائد السبسي، الذي أصبح القوّة الليبرالية الجديدة الصاعدة في المشهد السياسي التونسي، والذي التفت حوله مجموعة من الأحزاب كـ«الحزب الجمهوري» و«المسار الديمقراطي الاجتماعي»، إضافة إلى «الحزب الاشتراكي» و«حزب العمل الوطني الديمقراطي». وشكّلت استطلاعات الرأي الأخيرة التي جعلته في منافسة جدّية لحركة النهضة مصدر إزعاج لـلترويكا الحاكمة. من الصعب جداً، أن تنطلي على الشعب التونسي، والمعارضة الليبرالية واليسارية، أن التصويت على هذا القانون هو في خدمة مصلحة الثورة، ومن أجل قطع الطريق على عودة أزلام النظام السابق وتونس على أبواب أشهر قليلة من الاستحقاق الانتخابي المقبل. المفارقة العجيبة في تونس، أن حركة النهضة الإسلامية هي قوة سياسية محافظة وتدافع عن مصالح الطبقة التجارية التونسية المحافظة التي تضررت من سياسة العولمة الليبرالية المتوحشة، فكيف يمكن والحال هذه أن تجسد خطاباً ثورياً، يخدم مصلحة تحقيق أهداف الثورة الديمقراطية التونسية، لاسيما فيما يتعلق بإنجاز الدستور الديمقراطي الجديد، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، بينما الدستور الجديد لم يقرّ بعد في تونس، والنظام العام لا يزال مهدّداً، والمستثمرون نادرون، والمناطق المحرومة بقيت محرومة. فلا تزال حركة النهضة الإسلامية ترفض الإقرار بفشلها الذريع في ممارسة الحكم، وتدافع على العكس، عن «الشرعيّة» التي منحتها إياها انتخابات 23 أكتوبر 2011، وأوصلتها إلى الحكم، وتندّد بكل منتقديها على أساس أنهم جزء من مؤامرة وسائل الإعلام والخارج و«أعداء الثورة» و«بقايا النظام السابق».