13 سبتمبر 2025

تسجيل

في التحذير من الزهو

04 يوليو 2012

المشهد الأول: قاعة محاضرات، تقوم الدكتورة وهي من المعسكر المناوئ لجماعة الإخوان المسلمين باستغلال ملاحظة أحد الطلاب حول الوضع السياسي في مصر لتبدأ في كيل الاتهامات للجماعة ومرشحها في الانتخابات الرئاسية، هذه الانتقادات كان من المعتاد أن يتعامل معها شباب الإخوان في الماضي بأريحية بوصفها ضريبة يتعين عليهم دفعها جراء تمسكهم بالمرجعية الإسلامية التي تتعارض مع الطابع العلماني الغالب على كثير من المؤسسات التعليمية وعلى كثير ممن يتصدون للتدريس فيها، ولكن في هذه المرة تحديدا (بعد فوز الدكتور مرسي) قامت طالبة —من الواضح أنها قريبة من الجماعة أو منتمية تنظيميا لها، وتحدثت بخشونة زائدة إلى المحاضرة مطالبة إياها بأن تلتزم بموضوع المحاضرة وبألا تخرج عن السياق لإبداء آراء سياسية، على اعتبار أن كثير من الحاضرين لا يشاركونها نفس قناعاتها وأن عليها من ثَمَّ أن تحترم ذلك! المشهد الثاني، لقاء على إحدى الفضائيات يستضيف واحدا من رموز الإخوان وابن واحد من القيادات التاريخية للجماعة ممن قضوا نحبهم على يد نظام ثورة يوليو. عرض الضيف خلال الحلقة لمأساة والده وشرح كيف أنه اتهم بمحاولة الانقلاب على عبدالناصر وحكم عليه بالإعدام ظلما جراء ذلك بعد محاكمة عسكرية صورية، وبين أنه بفوز الدكتور مرسي فإنه يمكنه الآن فقط أن يقبل العزاء، وفي نهاية الحوار عبر الضيف عن رغبته أن تقوم المؤسسة العسكرية الحالية بتقديم الاعتذار له ولأسرته عما بدر منها خلال فترة حكم الرئيس عبدالناصر، وذلك رغم اقتناعه بأن رجال المؤسسة العسكرية الحاليين ليسوا هم من تسبب في مأساة والده، ولكنه كان يرى أنه كما يحمد لرجال القوات المسلحة الحاليين انتصارات لم يشارك معظمهم فيها على نحو فعلي (مثل نصر أكتوبر) فإن أخطاء الماضي أيضا تلحقهم ويلزمهم من ثَمَّ الاعتذار عنها! المشهدان السابقان وغيرهما من المشاهد التي حدثت وتحدث منذ فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئاسة في مصر، تحمل ملمحا مقلقا يتمثل في غلبة حالة من الزهو على سلوك بعض من أفراد الجماعة، وهو ما زين لهم تغيير سلوكهم القديم القائم على التواضع وتحمل الأذى إلى سلوك جديد يغلب عليه الاعتزاز بالنفس والرغبة في الحصول على التقدير من الآخرين. صحيح أنه من المشروع أن تستشعر الجماعة وأعضاؤها حالة من الارتياح جراء فوز مرشحهم بمنصب الرئاسة، وذلك بعد تاريخ طويل من الاضطهاد والاستبعاد والحظر والتعذيب، إلا أن ذلك الارتياح لا ينبغي أن يترجم بالانقلاب على الشخصية الإخوانية التقليدية، فهذا الانقلاب من شأنه أن يوقع جماعة الإخوان في صدام مع الرأي العام المتعاطف معها، كما أنه يمكن أن يصب في خانة من يتصيدون لمرشحهم أي خطأ ويلصقون به أي ذلة يقع فيها أي من أعضاء الجماعة. كما أن على أعضاء الجماعة أن يدركوا أن الدكتور مرسي لم يعد مرشح جماعة الإخوان المسلمين فقط، وأن من مصلحته ومصلحة الإخوان أن يلتزم بما سبق وكرره أكثر من مرة في حملته الانتخابية من أنه رئيس لكل المصريين. فرغم أن انتماء الدكتور مرسي إلى الجماعة ورئاسته للحزب الذي يمثلها كان السبب الذي مكنه من الفوز في المرحلة الأولى من الانتخابات، ورغم أنه لو كانت نتيجة الانتخابات قد حسمت عند هذه المرحلة لكان من المنطقي أن يحسب هذا الفوز للحزب الذي دفع بالدكتور مرسي إلى الصدارة، ولكان من المنطقي أن تكون له وللجماعة الكلمة الأخيرة في تشكيل جهاز الدولة، إلا أن الدكتور مرسي لم يفز في الجولة النهائية من هذه الانتخابات إلا بأصوات غير المنتمين لجماعة الإخوان، وعليه فإنه بهذه الصفة مضطر إلى أن يطرح نفسه كرئيس لكل المصريين، وفي هذا سبب آخر يدفع بأعضاء الجماعة إلى التخفف من حالة الزهو، واستبدالها بحالة من العرفان إزاء من مد يده إليهم وإلى مرشحهم من أجل إنقاذ الثورة والحيلولة دون عودة النظام القديم. والأهم مما سبق أنه لا مبرر للاستغراق في الاحتفال بعودة الحقوق المسلوبة منذ أيام ثورة يوليو في ظل وجود نفس الأسباب التي صاحبت نكبات الإخوان في الماضي. فالسياق السياسي مازال يحمل بذور الخطر، (الإعلان الدستوري المكبل، والقرار المريب والعاصف بحل البرلمان، والقانون سيئ السمعة الخاص بالضبطية القضائية)، فضلاً عن أن العملية السياسية مازالت تحت إشراف المجلس العسكري الذي لا يبدو أنه سينسحب بسهولة من المشهد، كما أن هناك إعلام الفتنة الذي أثبت معدنه الرديء في مواقف كثيرة خلال العام والنصف الفائت. هذه العناصر مجتمعة تحمل خطر نقض التجربة وإلغاء ما تحقق خلالها وربما إبطال الانتخابات الرئاسية، أو على الأقل إفراغها من مضمونها تماما كما حدث مع مجلس الشعب الذي تم تجريده من معظم صلاحياته قبل أن تتم الإطاحة به على نحو كامل. إن انتخاب الدكتور مرسي هو خطوة إيجابية كبيرة، وهو يشبه وضع قاطرة الوطن في بداية الاتجاه الصحيح، ولكن القوة الدافعة لتحريك هذا القطار مازالت غير كافية، فمازالت هناك الكثير من العقبات والمشكلات القائمة على الأرض والتي تحتاج إلى بصيرة ورؤية ومهنية، ولذا فإن الزهو ليس هذا وقته، بل إنه قد يكون هو الطريق إلى التعجيل بنهاية التجربة قبل أن تستوي على سوقها، وهذا ما لا يحبه أحد من الإخوان ولا ممن يتعاطفون معهم ويريدون أن يعطوهم فرصة لترجمة مشروعهم الإصلاحي على أرض الواقع.