10 سبتمبر 2025
تسجيلبقدر فرحة كثير من المصريين بفوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر، بقدر إشفاقهم عليه بسبب كثرة المشاكل المتراكمة عبر ستين عاما، والمطلوب منه أن يفي بوعوده التي تضمنها برنامجه الرئاسي لعلاجها. وهكذا مطلوب من الرئيس الجديد أن يحل خمس مشاكل ملحة خلال المائة يوم الأولى لتوليه، تتعلق برغيف الخبز والأمن والمرور والنظافة والمشتقات البترولية، كذلك مطلوب منه أن يعالج البطالة والغلاء وعجز الموازنة، والعجز بميزان المدفوعات ومضاعفة عدد المنتفعين بمعاش الضمان الاجتماعي وإعادة النظر في الضرائب وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويظل السؤال : كيف يمكن أن يحدث ذلك وهو يستلم البلاد مديونة بنحو 4ر1 تريليون جنيه مصري ما بين ديون داخلية وخارجية، وهي الديون التي تستحوذ أعباؤها السنوية على أكثر من ثلث الإنفاق بالموازنة، وكيف له أن يحقق ما وعد به من تحسين للبنية الأساسية والتعليم والصحة في ظل موازنة حكومية مصابة بالعجز المزمن. وإذا كان الدكتور مرسي قد حدد أهدافا موقوتة لإصلاحاته الاقتصادية، سواء فيما يخص نسبة البطالة أو نسبة التضخم أو نسبة العجز بالموازنة أو تحقيق التوازن بالميزان الكلي للمدفوعات، فإن كل ذلك مرهون بتحقق الاستقرار السياسي وتآلف القوى الوطنية، وهو أمر صعب في ظل رفض عدد من الأحزاب الليبرالية التعاون معه، والتوجس منه من قبل قطاع بالشرطة والجيش والمخابرات. كما أن اعتماد الحكومة في تمويل عجز الموازنة على البنوك بشكل أساسي، قد جعل البنوك تفضل شراء سندات وأذون الخزانة الحكومية ذات الفائدة المرتفعة معدومة المخاطر، والابتعاد عن إقراض المشروعات سواء العامة أو الخاصة. ويبدو أن الدكتور مرسي كان متنبها لذلك المأزق التمويلي، حيث عول على مكافحة الفساد كسبيل لتقليل هدر الإنفاق الحكومي، إلى جانب ترشيد الإنفاق الترفي الحكومي، بالإضافة إلى العديد من أنماط التمويل أبرزها الصكوك كبديل عن السندات الحكومية، والتمويل من خلال طرح الأسهم سواء لتأسيس المشروعات أو لزيادة رؤوس أموالها. أيضا اللجوء إلى رأس المال المخاطر لتمويل مشروعات البحث العلمي والابتكارات، واللجوء إلى صناديق الاستثمار المباشرة المتنوعة ما بين صناديق للعدالة الاجتماعية لا تهدف إلى الربح، وصناديق المتاجرة الإسلامية وصناديق التمويل متناهي الصغر وصناديق تمويل المشروعات وصناديق البنية الأساسية والتعمير. وصناديق الاستثمار العقاري وصناديق المزارعة وصناديق التعدين وصناديق الصيد وصندوق تطهير المجرى الملاحي لنهر النيل، وذلك بخلاف صناديق الزكاة وصناديق الأوقاف الخاصة وصناديق الصدقات المجتمعية، بحيث يتم تأسيس صناديق لمختلف الأغراض من خلال الاكتتاب في أسهمها، إلى جانب تجميع الزكوات لتوجيهها إلى أغراض تنموية وتوفير فرص عمل. وبالطبع يستند برنامج الرئيس الجديد إلى التمويل الحكومي من خلال فرض الضرائب المتنوعة، وكذلك الإتاوات الحكومية وفوائض الجهات الحكومية وفوائض النشاط الاستخراجي والخدمي، إلى جانب الاقتراض الداخلي والخارجي، وبما يشير إلى عدم وجود حساسية تجاه الاقتراض الخارجي، ولكن بما لا يكبل الاقتصاد بنسب اقتراض عالية بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي. كما يفتح برنامج الدكتور مرسي المجال للاستثمار الداخلي والخارجي للإسهام في توفير فرص العمل وزيادة الكم المعروض من السلع والخدمات، مع ترشيد نوعية الاستثمار الأجنبي المباشر ليكون في شكل مشروعات جديدة وليس مجرد استحواذات على مشروعات قائمة، وكذلك عدم اقتصاره على الصناعات الاستخراجية. ويتبنى البرنامج ضرورة دفع البنوك لتوظيف جانب من أرصدتها المعطلة في التنمية، سواء من خلال الإقراض أو من خلال المساهمة في تأسيس المشروعات أو في زيادة رؤوس أموالها، ولعل التوسع في البنوك الاستثمارية والمتخصصة يمكن أن يساهم في ذلك. وهكذا يحتاج البرنامج الاقتصادي للرئيس الجديد إلى توفر عوامل الاستقرار والأمن والوفاق الوطني، والثقة من جانب المستثمرين خاصة المحليين لزيادة أنشطتهم، وهو أمر يمكن أن يتحقق في ظل عدد من العوامل الإيجابية، أبرزها وجود قدرات اقتصادية لدى عدد من رجال الأعمال المصريين والعرب سوف تشارك في التنمية المصرية، إلى جانب رؤوس أموال متوقعة من بعض البلدان الإسلامية. كذلك يعد رافد تحويلات المصريين بالخارج أحد سبل توفير التمويل لجوانب مشروع النهضة الذي يتباه الرئيس الجديد، سواء من خلال شراء صكوك التمويل الإسلامية، أو شراء أسهم المشروعات الجديدة، أو بالإيداع للأموال بالبنوك المصرية وبما يزيد من الاحتياطات من العملات الأجنبية ويقلل الضغوط على سعر الصرف.