18 سبتمبر 2025
تسجيلالسودان وطن مأزوم بنخبه السياسية؛ حكومة ومعارضة.. بينما عموم الشعب الطيب تدفع باستمرار فواتير الفشل السياسي التي تتسبب فيها هذه النخب.. المفزع حقا أن هذه الفواتير أصبح ثمنها يأتي على حساب وحدة التراب الوطني، فضلا عن النسيج الاجتماعي.. فإن يأس الشعب من الحكومة وتطلع للمعارضة، يجد نفسه كالمستجير من النار بالرمضاء. انتقادات عنيفة وجهها حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي للحركة الشعبية (قطاع الشمال) التي تعتمد أسلوب المعارضة المسلحة.. الحزب أصدر بيانا قال إن اعتراض قطاع الشمال على لقاء المهدي بالوسيط الإفريقي ثابو أمبيكي اعتراض غير مبرر. وألمح البيان إلى أن الاعتراض بسبب ما قد يترتب على اللقاء من عودة مُحتملة للمهدي من منفاه الاختياري في القاهرة. وقال البيان إن الحزب لن يسمح باحتكار الرأي في القضايا الوطنية. وتخشى الحركة الشعبية من احتمال قيام جهات دولية نافذة بتشجيع المهدي على تقريب وجهات النظر بين الحركات والحكومة من جهة وبين الوسيط الأفريقي والحركات من جهة أخرى. وهذا ما قد يقلب الطاولة على محاولات الحركة السيطرة على المعارضة والتحدث باسمها وتجييرها لصالح رؤاها السياسية. وللمعارضة تجربة مريرة مع الحركة التي كانت تمثل جنوب السودان ما قبل الانفصال إذ تخلت عن المعارضة وقطفت لوحدها ثمار اتفاق السلام مع الخرطوم وتقاسمت معها السلطة حتى إتمام عملية الانفصال. بعد الانفصال شُكّل ما عرف بقطاع الشمال في الحركة الشعبية في إشارة إلى ما تبقى في الشمال من مكونات عسكرية وسياسية من الحركة الأم؛ لكن الحكومة السودانية رفضت الارتباط العضوي سياسياً وعسكرياً لقطاع الشمال بدولة الجنوب الوليدة وهذا الرفض تسنده حجج منطقية لا خلاف حولها. وليس على ما يبدو أن الهدف الحقيقي للحركة الشعبية هو القضايا القومية بقدر ما هو الحصول على قسمة مقدرة من (تورتة) السلطة بقوة السلاح؛ فالحرب مستعرة بين الحكومة السودانية ومتمردي الحركة الشعبية في المناطق الحدودية المحاذية لدولة جنوب السودان منذ أمد ليس بالقصير.لكن تاريخ تفاوض الحكومة السودانية مع حركات التمرد المسلحة العديدة يشير إلى أنها أكبر محرض على رفع السلاح ضد الدولة لمنحها ميزات تفضيلية كبيرة لمن يرفع السلاح يحصل على المناصب الرفيعة. إن حديث الحركة الشعبية عن الديمقراطية والاعتراف بالآخر في خطابها يكذبه الواقع في دولة جنوب السودان، كما أن الاقتتال العرقي الدموي الذي يدور حالياً هناك يؤكد أن ذلك الخطاب ليس سوى أطرا نظرية غير قابلة للتطبيق العملي في الدولة التي تحكمها الحركة الشعبية بالحديد والنار. في أكتوبر من العام الماضي 2015 ضرب خلاف كبير الجبهة الثورية المعارضة التي تضم الفصائل التي تحمل السلاح؛ وتمثل الخلاف في تمسك الحركات الدارفورية غير الموقعة على اتفاقية سلام الدوحة في الجبهة بانتقال منصب الرئاسة إليها، بينما رفضت الحركة الشعبية الخطوة وتشبثت بالمنصب. وربما كان ذلك في صالح سلام دارفور لاحقا إذ لانت مواقف حركتي العدل والمساواة السودانية، وتحرير السودان بقيادة، وأجرى رئيساهما مشاورات الأسبوع الماضي بالدوحة ضمت الوسيط القطري، والوسيط المشترك الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور. وقالت الوساطة القطرية في بيان لها، في ختام المشاورات إنه تم "التداول في القضايا الإجرائية التي تمهد الطريق لاستئناف العملية السلمية بين الحكومة السودانية والحركتين لتحقيق السلام في دارفور. على الخرطوم أن تلتقط القفاز وتستثمر المجريات الحالية خاصة في الجانب المتعلق بالصادق المهدي فهو رجل له وزنه السياسي داخليا وخارجيا، وهي نفس الميزات التي كانت تباهي بها الخرطوم عندما كان الرجل ممانعا لأي اتفاقات مع المعارضة المسلحة وعارض ما عرف بوثيقة الفجر الجديد التي وقعتها الجبهة الثورية في يناير من العام 2013 في أوغندا وربما كانت ممانعة الرجل أحد أسباب فشل تلك الوثيقة التي نادت صراحة باعتماد العمل المسلح لإسقاط النظام. لم يكن التعامل مع الرجل حصيفا على الإطلاق في وقت سابق.. لقد كان اعتقال المهدي خطوة غير رشيدة البتة. وفي ذات الوقت كان رد الفعل على (إعلان باريس) الذي وقعه في أغسطس 2014 أسوأ حالا.. ففي ذلك الإعلان وبالمقارنة بميثاق الفجر الجديد، حدثت فيه نقلة نوعية في منهج وطريقة تفكير الحركات المسلحة الذي شاركت في الإعلان؛ فتضمن شروطا معدلة وأقل راديكالية وعكس تحولا ما في هدف إسقاط النظام، من خلال تطور خيار الانتفاضة إلى خيار الحوار الوطني. وهذا لعمري تقدم لم تعره الخرطوم اهتماما بل مضت في طريق التعنت والرفض غير المبرر.