15 سبتمبر 2025

تسجيل

لبنان.. مزاج سياسي جديد

04 يونيو 2016

نجاح الانتخابات البلدية التي أجريت مؤخرًا، في لبنان أعاد الحراك السياسي إلى البلد بعد سنتين من الركود، محملًا بقراءات جديدة تشي بكثير من المتغيرات التي طرأت وربما سيطرأ المزيد منها على خارطة توزع القوى والزعامات وتحالفاتها السياسية. يُسجل للحكومة اللبنانية قدرتها على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها في الوقت التي فشلت الدولة من إجراء الانتخابات النيابية، وسمح النواب لأنفسهم بالتمديد لذواتهم بتفاهم لم يكن الشعب فيه حاضرًا أو مدعوًا أصلًا، كما تواطأ هؤلاء على عدم انتخاب رئيس للجمهورية لحسابات مغطاة بأعذار، يفهم اللبناني دلالاتها جيدًا، وتعطلت المؤسسات الدستورية تبعًا لذلك، في سابقة لم يعرفها لبنان في تاريخه. غياب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منح الانتخابات البلدية مرتبة الحدث السياسي الذي يتخطى دائرة التنافس على إدارة المدن والقرى محليًا كاشفًا صراعًا سياسيًا وقلقًا مشتركًا على الوجود أو مساحة النفوذ عند جميع المكونات التي تمسك بمفاصل الدولة. فمنافسة قائمة "بيروت مدينتي" التي شكلتها مؤسسات المجتمع المدني المتضررة من تراكم نفايات بيروت والنافرة من طبقة سياسية متكلسة وغير مبالية، وقدرتها على إثبات وجودها في معركة سياسية خاضها تحالف الأحزاب بكل طاقاتهم، وأن مزاجًا عامًا يسري في وجدان المواطن اللبناني. ما لبث هذا المزاج أن كشف عن نفسه بشكل أكبر في مناطق أخرى بعيدة عن العاصمة بيروت. وكان لانتخابات بلدية طرابلس العاصمة الثانية للبنان التجلّي الأبرز الدّال على حجم هذا المزاج وعمق اختلافه. كان لنجاح اللائحة التي شكلها وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي وقع الزلزال، ما استطاع معه المراقبون وصفه إلاّ بالانقلاب السياسي التام الذي أفرز زعامة جديدة لمدينة طرابلس، كان يحاول الجميع أن يكتبوا له شهادة وفاة سياسية.هزم الريفي بتحالفه مع مؤسسات المجتمع المدني وطبقة المهمشين من أهل طرابلس تحالف القوى السياسية التي ركبت لائحة موحدة خاضت فيها معركة الانتخابات.وقد أظهرت نتائج الانتخابات غضبًا شعبيا واسعًا على الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، الحاكمة منها وغير الحاكمة. ولمّا كان هذا الغضب المتراكم يبحث عن قناة يصّرف فيها طاقاته، فقد وجد في اللواء ريفي الأنموذج الأمثل. فالرجل كان قد استقال من وزارة العدل واختلف مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري اعتراضًا على ترشيحه لسليمان فرنجيه رئيسًا للجمهورية، وهو من قوى 8 مارس، ولامبالاة الحريري في ملف ميشال سماحة المتهم بقضايا تخريبية، وعلى الطريقة التي تدار فيها الملفات في الحكومة لجهة كشف عدد من الجرائم السياسية التي وقعت. غضب الشارع على الحريري وعلى التحالف السياسي الذي كُوّن على عجل شبيهًا للتحالف الذي شكّل في الانتخابات البلدية السابقة، وكان سببًا في فشل المجلس البلدي وتعطيله لسنوات، ثم وضع لائحة لا تمثيل حقيقيا للمناطق الشعبية فيها بقدر ما تراعي الحصص بين مكوناتها، وما يسري من إشاعات أن الطبقة السياسية تخطط لصفقة مريبة تقضي ببناء مرآب وسط المدينة، مدمرًا لآثارها وتاريخها، ومخططا لردم البحر على حساب قوت المواطن وزيادة بؤسه لصالح حفنة من رجال الأعمال التواقين دائمًا لمزيد من الربح. كل ما سبق عوامل كانت تغلي في نفوس المواطن الذي فجّر غضبه بإحداث زلزل سياسي. فما حدث كان انقلابًا بكل المقاييس مشكّلًا صدمة لكل القوى السياسية. لم يكن أحد يتنبأ بحدوثها إلا اللواء الريفي الذي ينقل عنه أحد مساعديه أنه قال له قبل الانتخابات بعدة أيام إن لائحته ستفوز ولن تتمكن لائحة المحاصصة سوى الاختراق بعدة أسماء. وهو بالفعل ما حدث. وما أن أُعلنت النتائج لصالح لائحة الريفي حتى شنّ هجوم مركز يتهم طرابلس وناخبيها بالتطرف وأنها استبعدت الأقليات مثل العلويين والمسيحيين من التمثيل في المجلس البلدي. وهو هجوم متوقع حدوثه عند المتضررين من أي تحول سياسي.انقلاب طرابلس يسجل حركة اعتراضية شعبية بعيدة عن أي حسابات أخرى. وقد يتمدد إلى مناطق جديدة إذا ما استمرّت الطبقة السياسية اللبنانية تتعامل بإهمال واستهتار مع حقوق المواطن الذي ملّ كثرة أساليبها الملتوية في التهرب من واجباتها الوطنية.