13 سبتمبر 2025
تسجيللا يصلح المجتمع من غير نظام يضبط أمره، ويحجز بين الناس بعضهم عن بعض، ومن طبيعة النظام أن يرعى مصلحة المجموع ولو كان فيه تفويت المصلحة على بعض الأفراد، فتحريم المخدرات مفيد للصحة العامة وإن كان مضرا بالذين يتاجرون بها، ومنع القمار مفيد والأخلاق العامة، وإن كان مضرا بالذين يربحون منه. ومن طبيعة النظام أن يحرص على التسوية بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات، ولا يفرق بينهم بسبب غناهم وفقرهم، أو علمهم وجهلهم، ومن طبيعة النظام أن يشتد على مخالفيه، وأن يؤكد العقوبة من غير تردد، ذلك لأن القوانين إنما تشرع لمصالح الناس، فمن الرحمة بهم أن يضرب على كل يد تعبث بمصالحهم وتفوت عليهم حقوقهم تلك هي طبيعة النظام تسوية بين المواطنين وشدة على المخالفين. وكلما كانت اليد المشرفة على شؤون الجماعة حازمة في تطبيق القوانين كانت في نعمة شاملة، والحاكم الحازم قد يقسو ويشتد وهي قسوة مقيدة بالقانون، والنظام، وهي لمصلحة الشعب ولضمان حقه. في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سرقت عربية متاعاً، وجىء بها متلبسة بالجريمة، فكلمه بعض الصحابة في إسقاط العقوبة عنها فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد. أما والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها". رواه البخاري ومسلم، فهذا هو العدل الحزم. لو لم يحزم أبوبكر في قتال المرتدين لنشبت الفتنة أظفارها في الدولة الإسلامية الفتية فقضت عليها في مهدها، وحرمت الإنسانية من كل ما قدم الإسلام في عصوره الزاهرة من خير وبر وفضل. ولولا حزم صلاح الدين في مقاومة الصليبيين لظل وطننا في القيود بعد ذلك مئات السنين. ولولا استبداد الحجاج وزياد وأمثالهما من ولاة الأمويين، لما قامت تلك الثورات الداخلية التي قضت على ملك الأمويين في زمن قصير. ولولا استبداد حكامنا في العصور الماضية، لما هوت أمتنا في منحدر سحيق من الجهالة والفوضى والتأخر مئات السنوات حتى أفقنا على جيوش الاحتلال تشتت وحدتنا وتهدر كرامتنا. أما بعد، فعندما يسرف الشعب في طلب الحرية، فربما تصل الأمور إلى الفوضى، وإسراف الحكام السياسيين في مراضاة الشعب ربما يهدر كرامة الحكم، والخير وسط بين هذا كله.. يقول الحق تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، "النساء: 57". وهذا أساس الحكم الذي لا يظلم ولا يسرف، فلولا العدل لفاض الشقاء. وهنا أتذكر مناهج الزمن الجميل الهادفة، حيث كان منهج المحفوظات بناءً: اسمع لهذه الأبيات: إني أنا العدل ... لولا حكمي لفاض الشقاء وساد كل ظلوم ... وذلت الأبرياء الله قدس ركني ... وحاطه الأنبياء فالليث بين الضواري ... والظبي عندي سواء فهل نطمع يا شباب الربيع العربي، أن يقوم فينا حكم يعدل في الحق ولا يظلم، ويشتد في الحزم ولا يستبد؟ اللهم إنها أمنية تجول في خاطر كل فرد من أبناء أمتنا، فابعث فينا مثل هذا النموذج من الحكام حتى يعيد للأمة مجدها وكرامتها، وللحكم قوته واستقراره.