23 سبتمبر 2025
تسجيلان تجربة الامم عبرة لمن بحث عن ترشيد القرارات الاممية، واحد اهم هذه القرارات هو كيفية ادارة والتعامل مع الثروات الوطنية، خاصة في شكل الفوائض المالية وفي اسلوب التعاطي معها، هناك تجارب كثيرة في هذا الصدد، لكن سنسلط الضوء على ثلاث تجارب اممية تعطينا فكرة وتقييما لما حصل حتى الآن وما آثاره على تلك البلدان، اولا الثروة من حقل نفط الشمال البريطاني وكيف تم توظيف مثل هذه الثروة وما نتائجها على بريطانيا ومواطنيها، وبعد ذلك كيف تعاملت النرويج مع هذه الفرصة التاريخية، وبالنظر للتجارب الثلاث يمكن تقييم واستشراف المدى الواسع من الدائل والخيارات الاستراتيجية وتعزيز السياسات الناجحة وتجاوز او الحذر من الوقوع في مطب القرارات الغير رشيدة، لقد استقبلت بريطانيا خبر اكتشاف النفط في بحر الشمال بفرحة وامل على اساس ان اصبح هناك مصدر للدخل سيمكن بريطانيا من العيش الرغيد، ولكن وللاسف هذا لم يحدث ونرى بريطانيا اليوم تقاسي وشعبها يقاسي من شغف العيش، لم تنشئ بريطانيا العظمى صندوقا سياديا ولم تدخر للاجيال القادمة ولم تستثمر لا في حاضرها ولا في مستقبلها، لقد استخدمت رئيسة وزراء بريطانيا مارجيرت ثاتشر اموال النفط في خفض مستوى الضرائب على الشركات والافراد ولذلك فقد استخدمت الموارد المتاحة في شكل مصاريف جارية لم تعد على الاقتصاد البريطاني الا بمردود سريع لم يدم للاقتصاد ولا للشعب البريطاني بحالة مستدامة، في الجانب الآخر نرى حصافة ورشد القرار النرويجي والذي فصل بين مصاريف الحكومة الجارية والفوائض المالية ووضعها في صندوق سيادي هو الاكبر اليوم ويقدر بحوالي تريليون وثلاثمائة مليار دولار ويملك الصندوق السيادي حوالي الواحد بالمائة من الاسهم العالمية، ويؤمن الحكومة والشعب النرويجي، ولذلك نرى بحبوحة عيش الشعب النرويجي مقارنة بما يعانيه الشعب البريطاني، قطر تعاملت مع الفوائض المالية بشكل يختلف بعض الشيء، فقد استخدمت الفوائض المالية في دعم الميزانية العامة ولكن في حدود سقف المصاريف العامة، فقطر ليست النرويج ولا بريطانيا فالحكومة لا تملك مصدر دخل من الضرائب بل الميزانية تعتمد على الدخل من الموارد الطبيعية وعليه فهي تواجه خيارات مختلفة بعض الشيء، فهي ملزمة باستخدام جزء من تلك المداخيل في تصريف شؤون الحكومة ولكن في حدود تمكن من ادخار وتوظيف تلك المدخرات في الصندوق السيادي وحجم ذلك الصندوق سيحدد مستوى الرفاهية في المجتمع القطري، لكن ما تميز به اسلوب تعامل قطر مع الفوائض المالية هو حالة الوسطية بين الاستثمار في الاقتصاد القطري كما هو واضح من رقي البنى التحتية والمرافق العامة ودعم الاقتصاد بانشاء المؤسسات والبنى الاقتصادية، وفي نفس الوقت رفد الصندوق السيادي ليصبح من الصناديق السيادية العشرة الاولى عالميا، اذا هناك ثلاث حالات الاولى بريطانيا وكيفية تعاطيها مع مواردها وخسارتها المكلفة.. النرويج وقدرتها على ادخار ما يمكن ادخاره بعيدا عن المصاريف الحكومية وقد حققت نجاحات كبيرة ثم قطر والتي ادارت تلك الفوائض بشكل مكن الدولة من مجاراة العالم في البنى التحتية والتنظيمية بل وفاقتها في هذا المجال، وادخرت واستثمرت ما يكفي لتتبوأ مراكز متقدمة على مستوى حجم وكفاءة الصناديق السيادية، يبدو ان قطر استطاعت الموازنة بين الحاضر الاقتصادي والمستقبل المستدام للاجيال القادمة، لكن الآن ونحن نستشرف عهدا جديدا وبعد فترة من النمو المتسارع وتحقيق الكثير والكثير من الطموحات في جميع المجالات من التعليم للرياضة للبنى التحتية للقطاع الصحي وقطاعات الخدمات من الكهرباء والماء والامن الغذائي وانشاء افضل مطارات وخطوط طيران واستضافة اكبر حدث عالمي كاس العالم، وتوجه الدولة لتنويع الاقتصاد في الداخل وللعلم الصندوق السيادي هو افضل اسلوب لتنويع مصادر الدخل للدولة،ولكن هل اولوياتنا مازالت كما هي ام ان الحاضر وتجارب الامم تحتم عودة الاجابة عن السؤال ما نسب توجيه الفائض المالية لتغطية الميزانية العامة وما نسب توجيه الفوائض المالية للصندوق السيادي، هل هناك مستوى تهدف له الدولة ويعتبر مستوى آمنا اي يغطي حاجة الدولة في حال لا قدر الله استغنى العالم عن المواد الهيدروكربونية.