24 نوفمبر 2025

تسجيل

عندما تتساقط الأقنعة

04 مايو 2016

يأتي الخريف فتتساقط الأوراق عن الأشجار، ثم تعود لنا الأوراق مرة أخرى وبشكلٍ آخر، في دورة زمنية أخرى بوجهٍ جديد، وهذا يقودني إلى تغير وجوه البشر من شكلٍ إلى آخر، فبعض الناس يتظاهر بأسلوبه الجميل ووجهه المشرق إلى أن ينهل ويأخذ ما يريد، وبعدها يختفي تماماً، وهذا يظهر لنا جلياً في النصب الإلكتروني وأخذ أموال الناس دون وجه حق، والبعض من الأشخاص يتلونون ويبرعون في المثالية والصدق، إلا أنهم في الحقيقة هم كاذبون من الدرجة الأولى ومحتالون في تصرفاتهم، وحين يظهرالشخص بالدور الإيجابي وهو يكذب، سرعان ما تنكشف لنا الحقيقة، بأن هذه الشخصية ترتدي قناعا ظاهره الإحتيال، وفي ذات السياق تحضرني قصة لفارس عربي كان في الصحراء على فرس له، فوجد رجلاً تائهاً يعاني من العطش، فطلب الرجل من الفارس أن يسقيه الماء، فقام بذلك، صمت الرجل قليلاً، فشعر الفارس أنه يخجل بأن يطلب الركوب معه، فقال له الفارس: هل تركب معي أوصلك إلى حيث تُريد؟ فقال الرجل: أنت رجلٌ كريم حقاً، شكراً لك، كنت أود طلب ذلك لكن خجلي منعني، ابتسم الفارس، فحاول الرجل الصعود لكنه تظاهر بأنه لم يستطع وقال: أنا لست بفارس، فأنا فلاح لم أعتد ركوب الفرس فيمكنك أن تساعدني في الركوب، اضطر الفارس الى أن ينزل كي يستطيع مساعدة الرجل على ركوب الفرس، وما أن صعد الرجل على الفرس حتى ضرب الفرس وهرب بها كأنه فارس محترف، أيقن الفارس أنه تعرض لعملية سطو وسرقة، فصرخ بذلك الرجل، اسمعني يا هذا، اسمعني، فقال له من بعيد، ما بك؟ فقال الفارس: لا تخبر أحداً بأنك ضحكت علي، وأخذت فرسي، فقال له اللص: ولماذا؟ أتخاف على سمعتك؟ فرد الفارس: لا، ولكنني أخشى أن ينقطع الخير ويضيع المعروف بين الناس فالخير والنخوة شيمة الفرسان، وأخاف ألا يقدم أحد بمجرد معرفته بهذه القصة. وجوه كثيرة طيبة ربما تظهر لنا أنها رائعة ومتكاملة في الأخلاق، تكاد تظن أنها الملائكة في الأرض، ولكنهم في الداخل غير ذلك، ولكننا عندما نقترب منهم ونكتشفهم، نبكي على غبائنا وعلى الثقة العمياء الممنوحة من قلوبنا بصدقٍ وإخلاص، والآن كثير من هذه الظواهر تمر علينا وتقابلنا في حياتنا، فهي الوجوه المزيفة والتخطيط الكاذب من البعض لكي ينهل من غيره دون وجه حق، فالبعض يتظاهر بأبهى ماعنده كي يظهر نفسه بالصورة الجميلة، هو الجمال الخارجي الذي أصبح كل شئ، ونسي الناس أن القلوب هي المعدن الحقيقي.والسؤال الذي يطرح نفسه، ماهي الأسباب التي تجعل الناس تركض وراء الأقنعة المزيفة؟ ولماذا لا يظهرون أمام الناس بوجوههم الحقيقية، وهل أصبح الناس يخشون الصدق؟ وما الذي تغير، الزمن أم الإنسان؟ وعلى من يقع اللوم؟ على أصحاب القلوب الطيبة أم على أصحاب الوجوه المزيفة؟ ولماذا تكون تلك عاقبة كل من يحسن المعاملة؟ هؤلاء النفر يتقنون التمثيل بجدارة، فلا أدري اين ضمائرهم، ولكن الذي يؤلمني بأن كذبهم يكشف حقائق مؤلمة خصوصاً عندما يكون ذلك من أشخاصٍ لهم في القلب مكانة، فسهلٌ جداً أن يرتدي الإنسان أي قناع يريد، ويظل يتجمل ويتزين به ويخفي كل عيوبه ويدعي المثالية ولكن سيأتي الوقت الذي ينكشف فيه. وعموماً الخير لا يضيع أبداً ما دام هناك ربٌ يحمينا ويحفظ حقوقنا، ولكن في المقابل يجب أن نحذر هذه الوجوه ونتعامل معها بحكمة قبل اتخاذ القرار النهائي.