19 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنسان والمصداقية والشفافية المحرك الأساسي للاقتصاد

04 مايو 2011

عالم الاقتصاد والمالية يملك حساسية عالية لما يدور حولهما من بيئة استثمارية أو تنموية. أو ما يدوران حوله من جماعات وأفراد. فالبيئة التي تمارس فيها النشاطات الاقتصادية تؤثر تأثيرا مباشرا على سلاسة تحرك الأموال والسيولة والاستثمارات وعلى توجيه الاستثمارات في الاقتصاد الوطني للجهات الأكثر حاجه لتلك الاستثمارات. والأفضل مردود على الاستثمار. مما ينتج عنه رفع الكفاءة بشكل عام. وتلك السلاسة هي المسهل لآليات الاقتصاد على الحركة وتسيير عجلة الاقتصاد. كلما تعسرت حركة المال كلما قلت كفاءة عمل آليات الاقتصاد. وهذا مؤشر على زيادة قوى المقاومة مثل الفساد والرشوة والمحسوبية والبيروقراطية بقدر ما تقوى هذه القوى في الاقتصاد بقدر ما تتراجع كفاءة مشاريع التنمية والنمو الاقتصادي ويزداد الهدر وتكثر الفجوات في الاقتصاد. والمستثمر عادة ما يٌقبل أو يٌدبر عن الاستثمار في أي دولة من خلال رؤيته لمدى الشفافية في تعاطي المعلومات وسيادة القانون وحجم قوى المقاومة في المجتمع. فإن كانت قوية تراجعت جاذبية الاستثمار وإن ضعفت ازدادت جاذبية الاستثمار. ويذهب المستثمرون لمدى بعيد للتحقق من مدى ضعف أو قوة قوى الدعم. من شفافية وسيادة القانون وانعدام الرشوة أو العكس وعليه تتخذ القرارات بالاستثمار من عدمه. وحتى في الحالات التي يعتقد المستثمر أن الفساد سيخدمه يأتي اليوم الذي يدفع ثمن ذلك الفساد. كما في حالة المملكة للاستثمار في أراضي توشكا. قد يعتقد البعض أن الاقتصاد هو عالم موضوعي بحت. محشو بالأرقام والنظريات والحسابات القومية والناتج الحلي والقومي وميزان المدفوعات والميزان الجاري وخطط التنمية والسياسات النقدية والمالية وأسعار الفائدة والقطاع المالي والصناعي وهلم جرى. ولكن في واقع الأمر الأساس هو الإنسان وروحه المعنوية وسلوكياته وأخلاقياته. مدى المصداقية والشفافية في تعاملاته وتصرفاته وكذلك حصيلة مفاهيم وأخلاقيات الناس في ذلك المجتمع. مما يخلق بيئة عامة إما شفافة وإما تفتقر للمصداقية. ومن ينظر للأرقام دون أخذ عناصر البيئة الاستثمارية في أصل القرار الاستثماري فهو يرتكب خطأ المبتدئ. وهذه الديناميات الداخلية هي المحرك لسلوكيات الناس وفي المرحلة الأخيرة برزت العوامل الداخلية والفردية على السطح وأخذت حيزا أكبر كعنصر من عناصر اتخاذ القرار سياسي أو اقتصادي. وعليه فالبلدان التي ترى في الاستثمار المباشر هدفا مهما تعرف ما هو متطلب منها لاجتذاب المستثمرين فالبداية وجود بيئة صالحة شفافة حاضنة للاستثمار. ثم توفير بنية تحتية متقدمة من طرق ومواصلات وشحن وتخزين وتقنيات عالية للاتصالات ويتوج ذلك بمشاريع تنمية ونمو اقتصادي جاذب. وفي معظم الأحيان يريد المستثمر أن يرى مدى جدية والتزام الدولة من خلال تبنيها لمشاريع داعمة للحراك الاقتصادي ومحفزة له من خلال الميزانيات العامة. والدولة تعلم أنه مهما كانت الإجراءات العملية المطبقة في العملية الاقتصادية أو السياسات النقدية تبقى غير أكيدة النتائج لأن المتغيرات عديدة ولا يمكن شمولها في تكوين التوجهات الأولية لبناء مراحل معينة في تسيير السياسات النقدية والمالية. وتبقى العملية وعلى أفضل حال مجرد اجتهادات مدروسة ومجربة ومقننة ولكن ليست أكيدة. فالاقتصاد يشمل فيما يشمل الإنسان وهو عامل يصعب توقع واحتمالات رد الفعل لديه. فكما يعتمد البعض أن الردود تكون متماشية مع الإجراءات تأتي الردود بعكس ذلك في بعض الأحيان. كما رأينا في الثورات العربية واستراتيجيات الأنظمة العربية في التعامل معها. وفي معظم الأحيان تأتي الردود مخالفة لما وضعت الاستراتيجيات من أجل بلوغه. بالتالي فمدى تعاون المواطن مع ما تختطه السلطة وترسمه أمر حاسم لنجاح أو فشل أي مشروع تنتوي الدولة بناءه. ولذلك فإن قبول المجتمع للمشاريع يرفع من إمكانية نجاحها. وعليه فإن الدرس الأهم من ثورات العرب هو إشراك المواطن والتواصل معه وتهيئته لتقبل المشاريع وإحساسه أنه شريك ومؤتمن على تلك المشاريع. وأن إرادة الدولة في بعض الأحيان مفاجأة المواطن بما يسعده ويعود عليه بالنفع. إلا أن إحساسه بالعزلة لا يخدم في حشد قواه وإمكاناته لدعم المشاريع. وبما أن الثورات العربية خلقت واقعا جديدا يظهر مدى أهمية تقبل المواطن من عدم تقبله لما ترتئي الدولة القيام به من مشاريع اجتماعية إلى مشاريع تنموية فإن مكنون النفس الإنسانية خاصة لدى المواطن هو العنصر الأهم في أي عملية لتوجيه أو تحفيز أو دعم قطاع أو قطاعات عامة أو القطاع الخاص. أهمية ما يختلج في صدر المواطن لا يمكن تجاهله في لحظات رسم قرار أو بناء فرضيات لإقامة مشروع أو تنفيذ برنامج. ولذلك فالتناغم مع روح المجتمع يجنب الحكومة والمجتمع الدخول في صراعات عن مدى جدوى هذا المشروع من عدم جدواه. قد يقول البعض ولكن الحكومة مطالبة بقيادة المجتمعات من أجل التغير الإيجابي إن كان في مجال حقوق الإنسان أو تحديث بنى المجتمع لتواكب التطورات والتغير في المفاهيم أو من أجل وضع رؤية طويلة الأمد لتحديث المجتمع. هذا كله مقبول ولكن لابد من العمل على اطلاع المواطن ومحاورته وإقناعه وتهيئته للتغير القادم. تحتاج الدولة ممثلة في جهازها التنفيذي الحكومة لمعرفة ودراسة المفاهيم التي هي حجر الزاوية لدى المواطن. والعمل على أخذها في صنع القرار. لتحفيز وحشد طاقاته لمساندة الدولة في مسعاها لتنمية المجتمع. . خاصة ومع مرور الوقت ستجد الحكومة مسؤولة التوافق مع روح المواطن تزداد حساسية وأن المواطن لم يعد سهل الانقياد دون موافقة ضمنية يجب الفوز بها قبل الإقدام على القرارات الكبرى. وقد يكون من المفارقة أنه في الوقت الذي يزداد القبول لدى المواطن للتغير يزداد في الوقت نفسه الإحساس بالاستقلالية والقدرة على التقييم ولذلك الميل للمسائلة والتحقق جراء تنامي الثقة لديه أنه قادر على الحكم إذا ما استشير. هذا المزيج من القدرة على تقبل والتعامل مع التغير نتيجة للأحداث الخيرة وزيادة الثقة وطلب إبداء الرأي فيما يعمل باسمه هو خليط حساس. يحتاج الكثير من التمعن والتدبر قبل القيام بمشاريع قد لا تجد قبول من طرف المجتمع، وإن لم يكن هذا الموضوع بنفس الحساسية في الماضي ولكن هناك مؤشرات على أن المستقبل سيكون أكثر حساسية. أي قبل قيام أي إدارة بتنفيذ مشروع لابد أن يسبق ذلك تواصل يقصر أو يطول حتى يكون هناك تقبل للمشروع من قبل المجتمع حتى لا يتكون لدى المواطن إحساس بالغربة في وطنه فهو آخر من يعلم ويظل ذلك الإحساس يعشش في داخله لحد الانعزال وعدم الاهتمام. فهو لم يشارك ولم يعلم ولا يدري هذا صنع بأيدي من ولا لمن ولا الهدف من ورائه. ولكن قبول عامل التغير وتقبله لدى أفراد المجتمع يبشر بالخير. فما كان ينقص الشعوب العربية هو تقبل التغير والتفاعل معه بايجابية. فليس هناك تطور أو تحديث أو تطوير أو ابتكار أو مبادرة دون عامل التغير ولذلك فإن تطوير وتحديث الاقتصادات العربية وصنع نهضة عربية لن يتم دون الأخذ بعامل التغير. دون سريان التغير في العملية الاقتصادية يعني بطبيعة الحال الركود والتكلس والتهالك كما هو حال بعض الأنظمة العربية. وتلك البنى لابد من إزالتها وإحلال بنى مرنة دينامكية قابلة للتطور والتحديث. وهذا يولد المسؤولية الفردية فليس هناك وصاية. وكل فرد مطالب في جو من الحرية أن يسعى ويعمل ويبتكر فلم يعد ما يعيق جهوده بل إن عوامل الدعم والتحفيز متوفرة. وإن كان الاقتصاد وعالم الأعمال يرتكز على المعطيات الكمية إلا أن فعاليته واستمراريته ونجاحه يعتمد على ما يجول بالنفس والفكر فإن صفى نشط الاقتصاد وإن كدر تردى الاقتصاد. وليس أدل على ذلك من الأزمات التي تعصف بالأسواق. بعد تراجع عوامل الثقة بالاقتصادات الأوروبية والاقتصاد الأمريكي. حيث إن العامل النفسي هو المسير لعجلة الاقتصاد والمال. فإذا أقبل المستهلك على الشراء ارتفعت وتيرة النشاط الاقتصادي وإن أدبر تراجعت. وبالقياس فإن 60% من الاقتصاد الأمريكي يعتمد على المستهلك ورغبته في الاستهلاك.