12 سبتمبر 2025
تسجيلتشهد تونس منذ نهاية العام الماضي وبداية سنة 2016 حرباً حقيقية بين الدولة بمختلف مؤسساتها: الجيش والأجهزة الأمنية ووحدات الحرس الوطني، وبين المجموعات الإرهابية سواء التي تنتمي إلى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي » المتمركزة في الجبال على الحدود التونسية - الجزائرية، أم المتسللة من «الدواعش» بعد التدخل العسكري الأخير في ليبيا والذي استهدف أساساً مدينة صبراطة وأريافها التي لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن تونس، في محاولة يائسة من تلك المجموعات الإرهابية السيطرة على الجنوب التونسي، خاصة في منطقة بنقردان الحدودية. وفي سياق هذه الحرب، تمكنت الوحدات المشتركة بين الحرس والجيش التونسيين، من القضاء على كامل «المجموعة الإرهابية» التي تضم خمسة عناصر، والتي تحصنت، مساء يوم الأربعاء 2مارس 2016، في منزل بمنطقة العامرية المتاخمة لمدينة بن قردان. وكانت جبال سلسلة مطماطة، من محافظة قابس، جنوب تونس، والقريبة من الحدود التونسية الليبية، قد شهدت مع بداية شهر فبراير 2016، اشتباكاً مسلحَا بين وحدات الحرس، والجيش الوطنيين، ومجموعة إرهابية تونسية، انتهى بمقتل 5 إرهابيين، كانوا يحملون أسلحة كلاشنكوف. وتعتبر مدينة بنقردان أحد الحصون التاريخية التي تصدر الإرهابيين إلى خارج البلاد التونسية، لاسيَّما إلى العراق إبان فترة الاحتلال الأميركي لهذا البلد العربي في ربيع 2003، حيث كان زعيم تنظيم القاعدة في العراق آنذاك « أبومصعب الزرقاوي » يقول، لو كانت بنقردان على حدود العراق لما تحررت الفلوجة، في إشارة منه إلى تدفق المئات من التونسيين إلى القتال في صفوف تنظيم «القاعدة» خلال العقد الماضي. ولهذا ليس من الغرابة في شيء أن تتحول مدينة بنقردان ومعها قسم من الجنوب التونسي إلى خزان بشري يغذي المجموعات الإرهابية العابرة للحدود. إنها الخاصية التي تتميز بها تونس المنقسمة مناطقياً وجهوياً، والخاضعة لقانون التطور اللامتكافىء على صعيد التنمية، وعلى صعيد التوزيع غير العادل لفوائد النمو والتنمية، بين المناطق الشرقية، الواقعة على الشريط الساحلي، والمناطق الداخلية، إذ ظل هذا التفاوت الموروث من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956-1987) يتعمق طيلة العقود الخمسة الماضية. وبهذا المعنى نفهم لماذا استوطن الإرهاب في بعض المناطق الجنوبية المحاذية لليبيا، ومحافظتي القصرين وسيدي بوزيد في الوسط الغربي، وفي محافظتي جندوبة والكاف في الشمال الغربي. ومع بداية التدخل العسكري الدولي في ليبيا، تحركت الخلايا الإرهابية النائمة في تونس، لكي تلتحق بالمجموعات الإرهابية التي تقاتل الجيش التونسي ووحدات الحرس الوطني انطلاقا من الجبال التونسية المحاذية للجزائر، والتي يتمركز فيها تنظيمان رئيسان، الأول: «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» المتمركز أساسا في جبل الشعانبي.أما الثاني، فهو تنظيم «داعش» الذي يتكون من تونسيين أصيلي محافظة القصرين وسيدي بوزيد، والذي تحول إلى نجم ساطع في فضاء الإرهاب المعولم على المستوى الدولي. وقد اختار هذا التنظيم التمركز في جبل السلوم بمحافظة القصرين، بعد أن أصبح جبل الشعانبي يمثل خطراً على العناصر الإرهابية. ويتمركز في جبل السلوم حوالي 40 عنصراً إرهابياً تابعين لتنظيم «داعش»، ويترأسهم محمد البسدوري، التي تتضارب الأنباء حول مقتله، إثر العملية التي قامت بها الوحدات الخاصة «كوموندوس » من الحرس الوطني على 4 إرهابيين في منطقة عين جفال قرب جبال المغيلة من محافظة سيدي بوزيد. وإن كانت بعض المصادر الأمنية التونسية تؤكد مقتل الإرهابي المدعو محمد البسدوري ابن 31 سنة الملقب بذباح تنظيم جند الخلافة الجزائري التابع لـ«داعش» والذي شارك في عمليات إرهابية ضد وحدات أمنية وأخرى عسكرية على غرار عملية بن وعون التي راح ضحيتها الشهيد سقراط الشارني وزملاؤه الشهداء. وفي نطاق تغذية الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في تونس، أقام هذا الأخير مؤخرًا معسكرًا بمحافظة جندوبة الواقعة في الشمال الغربي، والمحاذية للحدود الجزائرية، لتدريب العناصر الإرهابية، غير أن وحدات الحرس الوطني تفطّنت لهذه المجموعة الإرهابية التي تم تفكيكها بعد اعتقال 18عنصراً (أغلبهم أصيلو جندوبة وتونس العاصمة) عقب حملة مداهمات. وأراد هؤلاء الإرهابيون التموقع في جبال جندوبة وإقامة معسكر للتدريب بهدف تنفيذ عمليات إرهابية ضد الأمنيين والعسكريين ومنشئات حكومية. لقد توطدت العلاقات بين المجموعات الإرهابية التونسية، مثل «أنصار الشريعة» وتنظيم «داعش» مع مثيلاتها في ليبيا، خلال السنوات الخمس الماضية، وأصبحت العلاقات عضوية بين هذه التنظيمات في البلدين كليهما تونس وليبيا، إذ تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للإرهابيين التونسيين، لاسيَّما في ظل وجود معسكرات لتدربيهم منذ أبريل 2012، حيث أفرزت هذه التدريبات إرهابيين تونسيين نفذوا عمليات سواء في تونس أو ليبيا. فإن ما بين 1000و1500 تونسي، التحقوا بتنظيمات جهادية في ليبيا، من مجموع يتجاوز 6000 تونسي انضموا إلى تنظيم «داعش » الإرهابي في كل من العراق وسوريا واليمن و مالي.